اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

الصفة الثانية قوله : «طَلْعُها » أي ثمرها سمي طَلْعاً لطُلُوعه{[47113]} . قال الزمخشري : الطَّلْعُ للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها إما استعارة لفظية أو معنوية{[47114]} ، قال ابن قتيبة : سمي طلْعاً لطُلُوعِهِ كُلَّ سنة{[47115]} فلذلك قيل : طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره .

قوله : { رُءُوسُ الشياطين } فيه وجهان :

أحدهما : أنه حقيقة ، وأن رؤوس الشياطين شجرةٌ معينة{[47116]} بناحية اليمن تسمى الأستن قال النابغة :

4213- تَحِيدُ عَنْ أسْتن سُودٍ أَسَافِلُهَا . . . مِثْل الإمَاءِ الغَوَادِي تَحْمِلُ الحُزَمَا{[47117]}

وهو شجر منكر الصورة سَمَّتْهُ العرب بذلك تشبيهاً برُؤوس الشياطين في القبح ثم صار أصلاً يشبه به . وقيل : الشياطين صنف من الحيات ولهن أعراف قال :

4214- عُجَيْزٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ . . . كَمِثْلِ شَيْطَانِ الْحَمَاطِ أَعْرَفُ{[47118]}

وقيل : شجر يقال له : الصوم ومنه قول ساعدة بْن جُؤَيَّةَ :

4215- مُوَكّلٌ بشُدُوفِ الصَّوْمِ يرْقُبُهَا . . . مِنَ الْمَعَازِبِ مَخْطُوفُ الحَشَا زَرِمُ{[47119]}

فعلى هذا قد خوطبت العرب بما تعرفه ، وهذه الشجرة موجودة فالكلام حقيقة ، والثاني أنه من باب التخيل والتمثيل وذلك أنه كل ما يستنكر ويستقبح في الطباع والصورة يشبه بما يتخيله الوهم وإن لم يره والشياطين وإن كانوا موجودين غَيْرَ مَرئيِّين للعرب إلا أنه خاطبهم بما أَلِفُوهُ من الاستعارات التخييليه{[47120]} كقول امرئ القيس : [ البسيط ]

4216- أَيَقْتُلُنِي وَالْمَشْرِفيُّ مُضَاجِعِي . . . ومَسْنُونَةٌ زرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ{[47121]}

ولم ير أنيابها ؛ بل ليست موجودة ألبتة ، قال ابن الخطيب : وهذا هو الصحيح ؛ وذلك أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة كمال الفضل في الصورة والسيرة واعتقدوا في الشياطين نهاية القبح في الصورة والسيرة فكما حسن التشبيه بالملك عند إرادة الكمال والفضيلة في قول النساء : { إِنْ هذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [ يوسف : 31 ] فكذلك حَسُنَ التشبيه برؤوس الشياطين بالقبح وتشويه الخلقة ، ويؤكد هذا أن العقلاء إذَا رأوا شيئاً ( شديد{[47122]} الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة قالوا : إنه شيطان وإذا رأوا شيئاً ) حَسَناً قالوا : إنه ملكٌ من الملائكة{[47123]} . قال ابن عباس : هم الشياطين بأعيانهم شبهه بها لقُبْحِهِ .


[47113]:المرجع السابق.
[47114]:الكشاف 3/342.
[47115]:انظر: غريب القرآن له 372 وتأويل المشكل له أيضا 302 وانظر: القرطبي 15/86.
[47116]:في السمين: شجر بعينه ووصفه اللسان بذلك ولم يحدد مكانه.
[47117]:من البسيط وهو له يصف ناقة تعدل في سيرها وتبعد عن هذا الشجر كأنها خائفة منه والأستن –كما جاء في اللسان- شجر يفشو في منابته ويكثر وإذا نظر إليه الناظر من بعد شبههه بشخوص الناس ولذلك يسمى برؤوس الشياطين. انظر اللسان: "س ت ن" 1936 والدر المصون 4/556 وكامل المبرد 3/193، وديوانه (65).
[47118]:رواية البيت هنا كما في البحر المحيط 7/363 والدر المصون 4/557 ورواه الفراء في المعاني: عنجرد تحلف.. إلخ. والحماط: شجر تألفه الحيات، وأعرف: ذو عرف والمراد بشيطان الحماط: الحية التي تسكنه. يهجو امرأته بأنها عنجرد أي عجوز شمطاء وهي خبيثة وداهية تشبه تلك الحية التي تسكن هذا الشجر. والشاهد: إطلاق العرب لفظ الشيطان على نوع معين من الحيات. بقي أن أقول: إن البيت من تمام الرجز ولم أعرف قائله. وانظر: معاني الفراء 2/387 واللسان عنجرد 3123 والدر المصون 4/557 والبحر المحيط 7/363 والقرطبي 15/87.
[47119]:من البسيط وهو مجهول القائل. والصوم شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جدا يقال لثمره رؤوس الشياطين ويعنى بها الحيات وأكثر ما ينبت في بلاد بني شبابة. والمعازب الأماكن البعيدة، والشدوف: الشخوص ومخطوف الحشا ضامره، وزرم: لا يثبت في مكان ومعناه أنه يرقب شخوص هذه الأشجار يحسبها ناسا وهو في خوف لا يكاد يستقر في مكان وأتى بالبيت يقول: إن رؤوس الشياطين يطلق على ثمر هذا الشجر المسمى بالصوم. وانظر: اللسان "ص و م" 2530 والبحر 7/363 وأمالي القالي 1/25 والخصائص 3/79 وديوان الهذليين 1/194 وانظره هو وما قبله في مجمع البيان 7/96، وورد في مجمع البيان: المعارم: وهي النقط السوداء في أذن الشاة الضائنة وورد فيه يرقبه.
[47120]:الكشاف 3/343 والبحر 7/363.
[47121]:من الطويل والمشرفي نسبة إلى مشارف الشام كانت تصنع في قراها السيوف والمسنون المحدد المصقول. وشاهده بلاغي حيث شبه تشبيها وهميا وهو غير المدرك بإحدى الحواس الخمس فإن أنياب الغول مما لا يدركه الحس لدم تحققها. وانظر: دلائل الإعجاز 149 ومعاهد التنصيص 1/134 والبحر 7/363 وكامل المبرد 3/96 وفتح القدير للشوكاني 4/398 ومجمع البيان للطبرسي 697 وديوانه 33.
[47122]:ما بين المعقوفتين كله ساقط من "ب" وهو في الرازي و "أ".
[47123]:الرازي 26/142 وانظر بيت امرىء القيس أيضا فيه وفي زاد المسير 7/63 واللسان: "غ و ل".