الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

قوله : { رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه حقيقةٌ ، وأنَّ رؤوسَ الشياطينِ شجرٌ بعينِه بناحيةِ اليمن يُسَمَّى " الأسْتَن " وقد ذكره النابغةُ :

3812 تَحِيْدُ عن أَسْتَنٍ سُوْدٍ أسافِلُها *** مثلَ الإِماءِ الغوادي تَحْمِل الحُزَمَا

وهو شجرُ مُرٌّ منكَرُ الصورةِ ، سَمَّتْه العربُ بذلك تشبيهاً برؤوس الشياطين في القُبْح ثم صار أصلاً يُشَبَّه به . وقيل : الشياطين صِنْفٌ من الحَيَّاتِ ، ولهنَّ أعْراف . قال :

3813 عُجَيِّزٌ تَحْلِفُ حينَ أَحْلِفُ *** كمثلِ شيطان الحَماطِ أَعْرَفُ

وقيل : وهو شجرٌ يقال له الصَّوْمُ ، ومنه قولُ ساعدةَ بن جُؤَيَّة :

3814 مُوَكَّلٌ بشُدُوْفِ الصَّوْم يَرْقُبها *** من المَغَارِبِ مَخْطوفُ الحَشَا زَرِمُ

فعلى هذا قد خُوْطِبَ العربُ بما تَعْرِفُه ، وهذه الشجرةُ موجودةٌ فالكلامُ حقيقةٌ .

والثاني : أنَّه من بابِ التَّخْييل والتمثيل . وذلك أنَّ كلَّ ما يُسْتَنْكَرُ ويُسْتَقْبَحُ في الطِّباعِ والصورةِ يُشَبَّه بما يتخيَّله الوهمُ ، وإن لم يَرَه . والشياطين وإن كانوا موجودين غيرَ مَرْئِيَّين للعرب ، إلاَّ أنه خاطبهم بما أَلِفوه من الاستعارات التخييلية ، كقوله :

3815 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ومَسْنُوْنَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيابِ أَغْوالِ

ولم يَرَ أنيابَها ، بل ليسَتْ موجودة البتةَ .