معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

قوله تعالى : { يؤفك عنه من أفك } يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه ، يعني : من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن . وقيل : " عن " بمعنى " من أجل " أي : يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من صرف . وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون : إنه ساحر وكاهن ومجنون ، فيصرفونه عن الإيمان ، وهذا معنى قول مجاهد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

وقوله : يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أَفِكَ يقول : يصرف عن الإيمان بهذا القرآن من صرف ، ويدفع عنه من يُدْفع ، فيُحْرَمه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قال ابن عمرو في حديثه : يوفى ، أو يُؤْفَن ، أو كلمة تشبهها . وقال الحارث : يُؤْفَن ، بغير شك .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قال : يُصرف عنه من صُرف .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ فالمأفوك عنه اليوم ، يعني كتابَ الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قال : يُؤْفَك عنه المشركون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

و : { يؤفك } معناه : يصرف ، فالمعنى : يصرف عن كتاب الله من صرف ممن غلبت شقاوته ، وكان قتادة يقول : المأفوك منا اليوم عن كتاب الله كثيراً ، ويحتمل أن يعود الضمير على القول ، أي : يصرف بسببه من أراد الإسلام ، بأن يقال له هو سحر ، هو كهانة ؛ وهذا حكاه الزهراوي .

ويحتمل أن يعود الضمير في { عنه } على القول ، أي يصرف عنه بتوفيق الله إلى الإسلام من غلبت سعادته ، وهذا على أن يكون قوله : { إنكم لفي قول مختلف } للكفار فقط .

قال القاضي أبو محمد : وهذا وجه حسن لا يُخِلُّ به ، إلا أن عُرْفَ الاستعمال في «أَفَكَ » ، إنما هو في الصرف من خير إلى شر ، وتأمل ذلك تجدْها أبداً في المصروفين المذمومين ، وحكى أبو عمرو عن قتادة أنه قرأ «من أَفَكَ » بفتح الهمزة والفاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

و{ يؤفك } : يصرف . والأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء : الصرف . وأكثر ما يستعمل في الصرف عن أمر حسن ، قاله مجاهد كما في « اللسان » ، وهو ظاهر كلام أيمة اللغة والفراء وشمّر وذلك مدلوله في مواقعه من القرآن .

وجملة { يؤفك عنه من أفك } يجوز أن تكون في محل صفة ثانية ل { قولٍ مختلف } ، ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { وإن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] ، فتكون جملة { والسماء ذاتِ الحبك إنكم لفي قول مختلف } معترضة بين الجملة البيانية والجملة المبيَّن عنها . ثم إن لفظ { قول } يقتضي شيئاً مقولاً في شأنه فإذ لم يذكر بعد { قول } ما يدل على مقول صلَح لجميع أقوالهم التي اختلقوها في شأنه للقرآن ودعوة الإسلام كما تقدم .

فلما جاء ضميرُ غيبة بعد لفظ { قول } احتمل أن يعود الضمير إلى { قولٍ } لأنه مذكور ، وأن يعود إلى أحوال المقول في شأنه فقيل ضمير { عنه } عائد إلى { قول مختلف } وأن معنى { يؤفك عنه } يصرف بسببه ، أي يصرف المصروفون عن الإيمان فتكون ( عن ) للتعليل كقوله تعالى : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } [ هود : 53 ] وقوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : 114 ] ، وقيل ضمير { عنه } عائد إلى { ما توعدون } [ الذاريات : 22 ] أو عائد إلى { الدين } [ الذاريات : 6 ] ، أي الجزاء أن يؤفك عن الإيمان بالبعث والجزاء من أفك . وعن الحسن وقتادة : أنه عائد إلى القرآن أو إلى الدين ، أي لأنهما مما جرى القول في شأنهما ، وحرف ( عن ) للمجاوزة .

وعلى كل فالمراد بقوله { من أفك } المشركون المصروفون عن التصديق . والمراد بالذي فعل الأفك المجهول المشركون الصارفون لقومهم عن الإيمان ، وهما الفريقان اللذان تضمنهما قوله تعالى : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والْغَوْا فيه لعلكم تغلِبُون } [ فصلت : 26 ] .

وإنما حذف فاعل { يؤفك } وأبهم مفعوله بالموصولية للاستيعاب مع الإيجاز .

وقد حمَّلهم الله بهاتين الجملتين تبعةَ أنفسهم وتبعة المغرورين بأقوالهم كما قال تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] .