معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

قوله تعالى : { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا } أشركوا ، { وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك } ، أي : كما أهلكناهم بكفرهم ، { نجزي } نعاقب ونهلك ، { القوم المجرمين } ، الكافرين بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم يخوف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية المكذبة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد أهلكنا الأمم التي كذّبت رسل الله من قبلكم أيها المشركون بربهم لما ظَلَمُوا يقول : لما أشركوا وخالفوا أمر الله ونهيه . وجاءَتْهُمْ رُسُلُهمْ من عند الله ، بالبَيّناتِ وهي الاَيات والحجج التي تبين عن صدق من جاء بها . ومعنى الكلام : وجاءتهم رسلهم بالاَيات البينات أنها حقّ . وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يقول : فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها ليؤمنوا برسلهم ويصدّقوهم إلى ما دعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له . كذلكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ يقول تعالى ذكره : كما أهلكنا هذه القرون من قبلكم أيها المشركون بظلمهم أنفسهم وتكذيبهم رسلهم وردّهم نصيحتهم ، كذلك أفعل بكم فأهلككم كما أهلكتهم بتكذيبكم رسولكم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وظلمكم أنفسكم بشرككم بربكم ، إن أنتم لم تنيبوا وتتوبوا إلى الله من شرككم ، فإن من ثواب الكافر بي على كفره عندي أن أهلكه بسخطي في الدنيا وأورده النار في الاَخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

{ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم } يا أهل مكة . { لما ظلموا } حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغي { وجاءتهم رسلهم بالبينات } بالحجج الدالة على صدقهم وهو حال من الواو بإضمار قد أو عطف على ظلموا . { وما كانوا ليؤمنوا } وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بأنهم يموتون على كفرهم ، واللام لتأكيد النفي . { كذلك } مثل ذلك الجزاء وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم { نجزي القوم المجرمين } نجزي كل مجرم أو نجزيكم فوضع المظهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وأنهم أعلام فيه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

عاد الخطاب إلى المشركين عودا على بدئه في قوله : { إن ربكم الله } إلى قوله { لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 3 5 ] بمناسبة التماثل بينهم وبين الأمم قبلهم في الغرور بتأخير العذاب عنهم حتى حل بهم الهلاك فجأة . وهذه الآية تهديد وموعظة بما حل بأمثالهم .

والجملة معطوفة على جملة : { ولو يعجل الله للناس الشر } [ يونس : 11 ] بما تضمنته من الإنذار بأن الشر قد ينزل بهم ولكن عذاب الله غير معجل ، فضرب لهم مثلاً بما نزل بالأمم من قبلهم فقضَى إليهم بالعذاب أجلُهم وقد كانوا يعرفون أمما منهم أصابهم الاستيصال مثل عاد وثمود وقوم نوح .

ولتوكيد التهديد والوعيد أكدت الجملة بلام القسم وقد التي للتحْقيق .

والإهلاك : الاستيصال والإفناء .

والقرون : جمع قرن وأصله مدة طويلة من الزمان ، والمراد به هنا أهل القرون . وتقدم بيانه عند قوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } في سورة [ الأنعام : 6 ] .

وقوله : من قبلكم } حال من القرون .

و { لمّا } اسم زمان بمعنى حين على التحقيق ، وتضاف إلى الجملة .

والعرب أكثروا في كلامهم تقديم ( لما ) في صدر جملتها فأشِمَّت بذلك التقديم رائحة الشرطية فأشبهت الشروط لأنها تضاف إلى جملة فتشبه جملةَ الشرط ، ولأن عاملها فعل مُضي فبذلك اقتضت جملتين فأشبهت حروفَ الشرط .

والمعنى : أهلكناهم حينما ظلموا ، أي أشركوا وجاءتهم رسلهم بالبينات مثل هود وصالح ولم يؤمنوا .

وجملة : { وجاءتهم } معطوفة على جملة { ظلموا } .

والبينات : جمع بينة ، وهي الحجة على الصدق ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { فقد جاءكم بينة من ربكم } في سورة [ الأنعام : 157 ] .

وجملة : { وما كانوا ليؤمنوا } معطوفة عليها . ومجموع الجمل الثلاث هو ما وُقِّت به الإهلاك { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا } [ القصص : 59 ] .

وعبر عن انتفاء إيمانهم بصيغة لام الجحود مبالغة في انتفائه إشارة إلى اليأس من إيمانهم .

وجملة : { كذلك نجزي القوم المجرمين } تذييل . والتعريف في { القوم المجرمين } للاستغراق فلذلك عم القرون الماضية وعم المخاطبين ، وبذلك كان إنذاراً لقريش بأن ينالهم ما نال أولئك . والمُراد بالإجرام أقصاه ، وهو الشرك .

والقول في { كذلك نجزي القوم المجرمين } كالقول في نظيره آنفاً . وكذلك ذكر لفظ ( القوم ) فهو كما في نظيره في هذه السورة وفي البقرة .