مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

قوله تعالى { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون }

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : في بيان كيفية النظم . اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم كانوا يقولون : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } ثم إنه أجاب عنه بأن ذكر أنه لا صلاح في إجابة دعائهم ، ثم بين أنهم كاذبون في هذا الطلب لأنه لو نزلت بهم آفة أخذوا في التضرع إلى الله تعالى في إزالتها والكشف لها ، بين في هذه الآية ما يجري مجرى التهديد ، وهو أنه تعالى قد ينزل بهم عذاب الاستئصال ولا يزيله عنهم ، والغرض منه أن يكون ذلك رادعا لهم عن قولهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، لأنهم متى سمعوا أن الله تعالى قد يجيب دعاءهم وينزل عليهم عذاب الاستئصال ، ثم سمعوا من اليهود والنصارى أن ذلك قد وقع مرارا كثيرة . صار ذلك رادعا لهم وزاجرا عن ذكر ذلك الكلام ، فهذا وجه حسن مقبول في كيفية النظم .

المسألة الثانية : قال صاحب «الكشاف » { لما } ظرف لأهلكنا ، والواو في قوله : { وجاءتهم } للحال ، أي ظلموا بالتكذيب . وقد جاءتهم رسلهم بالدلائل والشواهد على صدقهم وهي المعجزات ، وقوله : { وما كانوا ليؤمنوا } يجوز أن يكون عطفا على ظلموا ، وأن يكون اعتراضا ، واللام لتأكيد النفي ، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على الكفر وهذا يدل على أنه تعالى إنما أهلكهم لأجل تكذيبهم الرسل ، فكذلك يجزى كل مجرم ، وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم رسول الله ، وقرئ { يجزى } بالياء وقوله :