اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ } الآية .

لما حكى عنهم أنَّهم كانوا يقولون : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [ الأنفال : 32 ] الآية .

وأجاب بأن ذكر أنَّه : لا صلاح في إجابة دعائهم ، ثم بيَّن أنَّهم كانوا كاذبين في هذا الطلب ؛ لأنَّه لو نزلت بهم آفةٌ ، تضرَّعُوا إلى الله تعالى في إزالتها ، بيَّن ههنا ما يجري مجرى التهديد : وهو أنَّه تعالى قد أنزل بهم عذاب الاستئصال ولا يزيله عنهم ؛ ليكون ذلك رَادعاً لهم عن قولهم : { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] ؛ لأنَّهم متى سمعُوا أنَّ الله قد يجيبُ دعاءهم ، وينزل بهم عذاب الاستئصال ، ثم سمعوا من اليهُود والنَّصارى ، أنَّ ذلك قد وقع مراراً كثيرة ، صار ذلك رَادِعاً عن ذكر هذا الكلام .

قوله : " مِن قَبْلِكُمْ " متعلقٌ ب " أهْلَكْنَا " ، ولا يجوز أن يكون حالاً من " القُرُون " ؛ لأنَّه ظرف زمانٍ ، فلا يقعُ حالاً عن الجثَّة ، كما لا يقع خبراً عنها ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا أوَّل البقرة [ البقرة : 21 ] ، وتقدم الكلامُ على " لمَّا " [ البقرة : 17 ] ، قال الزمخشري : " لما " ظرف ل " أهْلَكْنَا " ، و " وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم " يجوز أن يكون معطوفاً على " ظَلَمُوا " ، فلا محلَّ له عند سيبويه ، ومحلُّه الجر عند غيره ؛ لأنَّه عطف على ما هو في محلِّ جرِّ بإضافة الظرف إليه ، ويجوز أن يكون في محلِّ نصب على الحال ، أي : ظلمُوا بالتَّكذيب ، وقد جاءتهُم رُسُلُهم بالحُجَجِ والشَّوَاهدِ على صدقهم . و " بالبَيِّنَاتِ " يجوز أن يتعلَّق ب " جَاءتْهُم " ، ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ ، على أنَّه حالٌ من " رُسلهُمْ " ، أي : جاءُوا مُلتبسِين بالبيِّناتِ ، مُصاحبين لها .

قوله : " وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ " يجوز عطفه على " ظَلَمُوا " ، وهو الظَّاهرُ ، وجوَّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً قال : واللامُ لتأكيد نفي إيمانهم ، ويعني بالاعتراض : كونه وقع بين الفعل ، ومصدره التشبيهي في قوله : " كذلِكَ نَجْزِي " والضميرُ في " كانُوا " عائد على " القُرُون " ، وجوَّز مقاتلٌ : أن يكون ضمير أهل مكة ، وعلى هذا يكونُ التفاتاً ، إذ فيه خُرُوجٌ من ضمير الخطابِ في قوله : " قَبْلِكُمْ " ، إلى الغيبة ، والمعنى : وما كنتم لتُؤمِنُوا .

و " كذلِكَ " نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، أي : مثل ذلك الجزاء نجزي . وقرئ{[18338]} " يَجْزِي " بياء الغيبة ؛ وهو التفاتٌ من التكلُّم في قوله : " أهْلَكْنَا " ، إلى الغيبةِ .


[18338]:ينظر: الكشاف 2/333، المحرر الوجيز 3/7110 البحر المحيط 5/135، الدر المصون 4/13.