{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون } أي القرونَ الخاليةَ مثلَ قومِ نوحٍ وعادٍ وأضرابِهم و ( من ) في قوله تعالى : { مِن قَبْلِكُمْ } متعلقةٌ بأهلكنا أي أهلكناهم من قبل زمانِكم والخطابُ لأهل مكةَ على طريقة الالتفاتِ للمبالغة في تشديد التهديدِ بعد تأييدِه بالتوكيد القسمي { لَمَّا ظَلَمُواْ } ظرفٌ للإهلاك أي أهلكناهم حين فعلوا الظلمَ بالتكذيب والتمادي في الغي والضلالِ من غير تأخير ، وقوله تعالى : { وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم } حالٌ من ضمير ظلموا بإضمار قد ، وقوله تعالى : { بالبينات } متعلقٌ بجاءتهم على أن الباءَ للتعدية أو بمحذوف وقع حالاً من رسلهم ، دالةٌ على إفراطهم في الظلم وتناهيهم في المكابرة ، أي ظلموا بالتكذيب وقد جائتهم رسلُهم بالآيات البينةِ الدالةِ على صدقهم أو ملتبسين بها حين لا مجالَ للتكذيب ، وقد جُوِّز أن يكون قولُه تعالى : { وَجَاءتْهُمْ } عطفاً على ظلموا فلا محلَّ له من الإعراب عند سيبويه ، وعند غيره محلُّه الجرُّ لأنه معطوفٌ على ما هو مجرورٌ بإضافة الظرفِ إليه ، وليس الظلمُ منحصراً في التكذيب حتى يُحتاج إلى الاعتذار بأن الترتيبَ للذكرى لا يجب كونُه على وفق الترتيبِ الوقوعيّ كما في قوله تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ } الخ ، بل هو محمولٌ على سائر أنواعِ الظلم والتكذيبُ مستفادٌ من قوله تعالى : { وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } على أبلغ وجهٍ وآكده فإن اللامَ لتأكيد النفي أي وما صح وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادِهم وخذلانِ الله تعالى إياهم لعلمه بأن الألطافَ لا تنجع فيهم ، والجملةُ على الأول عطفٌ على ظلموا لأنه إخبارٌ بإحداث التكذيب ، وهذا بالإصرار عليه ، وعلى الثاني عطفٌ على ما عطف عليه ، وقيل : اعتراضٌ بين الفعلِ وما يجري مَجرى مصدرِه التشبيهيِّ أعني قولَه تعالى : { كذلك } فإن الجزاءَ المشارَ إليه عبارةٌ عن مصدره أي مثلَ ذلك الجزاءِ الفظيعِ أي الإهلاكِ الشديدِ الذي هو الاستئصالُ بالمرة { نَجْزِي القوم المجرمين } أي كلَّ طائفةٍ مجرمة ، وفيه وعيدٌ شديدٌ وتهديدٌ أكيدٌ لأهل مكةَ لاشتراكهم لأولئك المهلَكين في الجرائم والجرائر التي هي تكذيبُ الرسولِ والإصرارُ عليه وتقريرٌ لمضمون ما سبق من قوله تعالى : { وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير } [ يونس : 11 ] وقرىء بالياء على الالتفات إلى الغَيبة وقد جُوِّز أن يكون المرادُ بالقوم المجرمين أهلَ مكةَ على طريقة وضع الظاهرِ موضعَ ضميرِ الخطابِ إيذاناً بأنهم أعلامٌ في الإجرام ويأباه كلَّ الإباء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.