البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

هذا إخبار لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم وخطاب لهم بإهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر ، على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار ، والوعيد لهم ، وضرب الأمثال ، فكما فعل بهؤلاء ، يفعل بكم .

ولفظة لما مشعرة بالعلية ، وهي حرف تعليق في الماضي .

ومن ذهب إلى أنها ظرف معمول لأهلكنا كالزمخشري متبعاً لغيره ، فإنما يدل إذْ ذاك على وقوع الفعل في حين الظلم ، فلا يكون لها إشعار إذ ذاك بالعلية .

لو قلت : جئت حين قام زيد ، لم يكن مجيئك مستبباً عن قيام زيد ، وأنت ترى حيثما جاءت لما كان جوابها أو ما قام مقامه متسبباً عما بعدها ، فدل ذلك على صحة مذهب سيبويه من أنها حرف وجوب لوجوب .

وجاءتهم ظاهره أنه معطوف على ظلموا أي : لما حصل هذان الأمران : مجيء الرسل بالبينات ، وظلمهم أهلكوا .

وقال الزمخشري : والواو في وجاءتهم للحال أي : ظلموا بالتكذيب ، وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات انتهى .

وقال مقاتل : البينات مخوفات العذاب ، والظاهر أنّ الضمير في قوله وما كانوا عائداً على القرون ، وأنه معطوف على قوله : ظلموا .

وجوّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً لا معطوفاً قال : واللام لتأكيد النفي بمعنى : وما كانوا يؤمنون حقاً تأكيداً لنفي إيمانهم ، وأن الله تعالى قد علم أنهم مصرون على كفرهم ، وأنّ الإيمان مستبعد منهم والمعنى : أنّ السبب في إهلاكهم تعذيبهم الرسل ، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل انتهى .

وقال مقاتل : الضمير في قوله : وما كانوا ليؤمنوا ، عائد على أهل مكة ، فعلى قوله يكون التفاتاً ، لأنه خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة ، ويكون متسقاً مع قوله : وإذا تتلى عليهم .

والكاف في كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك الجزاء ، وهو الإهلاك .

نجزي القوم المجرمين فهذا وعيد شديد لمن أجرم ، يدخل فيه أهل مكة وغيرهم .

وقرأت فرقة : يجزي بالياء ، أي يجزى الله ، وهو التفات .