نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

ولما كان محط نظرهم الدنيا ، وكان هذا صريحاً في الإمهال للظالمين والإحسان إلى المجرمين ، أتبعه بقوله تعالى مهدداً لهم رادعاً عما هم فيه من إتباع الزينة مؤكداً لأنهم ينكرون أن{[37705]} هلاكهم لأجل ظلمهم : { ولقد أهلكنا } أي{[37706]} بما لنا من العظمة { القرون } أي على ما لهم من الشدة والقوة ؛ ولما كان المهلكون هلاك العذاب المستأصل بعض من تقدم ، أثبت الجار فقال : { من قبلكم لما ظلموا } أي تكامل ظلمهم إهلاكاً عم آخرهم وأولهم كنفس واحدة دفعاً{[37707]} لتوهم أنه سبحانه لا يعم بالهلاك ، وقال تعالى عطفاً على { أهلكنا } : { وجآءتهم رسلهم } أي إلى كل أمة رسولها { بالبينات } أي {[37708]}التي بينت{[37709]} بمثلها الرسالة { وما } أي والحال أنهم ما { كانوا } أي بجبلاتهم ، وأكد النفي بمن ينكر أن يتأخر إيمانهم عن البيان فقال : { ليؤمنوا } ولو جاءتهم كل آية ، تنبيهاً لمن قد يطلب أنه سبحانه يريهم بوادر العذاب أو ما اقترحوه من الآيات ليؤمنوا ، فبين سبحانه أن ذلك لا يكون سبباً لإيمان من قضى بكفره ، بل يستوي في التكذيب حاله قبل مجيء الآيات وبعدها ليكون سبباً لهلاكه .

فكأنه قيل : هل يختص ذلك بالأمم الماضية ؟ فقيل : بل { كذلك } أي مثل ذلك الجزاء العظيم { نجزي القوم } أي الذين لهم قوة على محاولة ما يريدونه { المجرمين } لأن السبب هو العراقة في الإجرام وهو قطع ما ينبغي وصله ، فحيث ما وجد جزاؤه ؛ والإهلاك : الإيقاع فيما لا يتخلص منه{[37710]} من العذاب ؛ والقرن : أهل العصر لمقارنة{[37711]} بعضهم لبعض .


[37705]:سقط من ظ.
[37706]:زيد من ظ.
[37707]:من ظ، وفي الأصل: رفعا.
[37708]:في ظ: الذي تثبت.
[37709]:في ظ: الذي تثبت.
[37710]:من ظ، وفي الأصل: منهم.
[37711]:في ظ: لمقاربة.