الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

قوله تعالى : { مِن قَبْلِكُمْ } : متعلقٌ ب " أَهْلكنا " ، ولا يجوز أن يكونَ حالاً من " القرون " لأنه ظرف زمان فلا يقع حالاً عن الجثة كما لا يقع خبراً عنها . وقد تقدَّم تحقيق هذا في أول البقرة ، وقد تقدَّم الكلامُ على " لمَّا " أيضاً .

قوله : { وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم } يجوز أن يكون معطوفاً على " ظلموا " فلا محلَّ له عند سيبويه ، ومحله الجر عند غيره ، لأنه عطف على ما هو في محلِّ جرٍ بإضافة الظرف إليه ، ويجوز أن يكونَ في محلِّ نصبٍ على الحال ، أي : ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلُهم بالحُجَجِ والشواهد على صدقهم و " بالبينات " يجوزُ أن يتعلَّق ب " جاءتهم " ، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " رسلهم " [ أي : ] جاؤوا ملتبسين بالبينات مصاحبين لها .

قوله : { وَمَا كَانُواْ } الظاهرُ عَطْفه على " ظلموا " . وجَوَّز الزمخشري أن يكونَ/ اعتراضاً قال : " واللامُ لتأكيد فني إيمانهم ، ويعني بالاعتراض كونَه وقع بين الفعل ومصدرهِ التشبيهي في قوله " كذلك نَجزي " . والضميرُ في " كانوا " عائد على " القرون " . وجَوَّز مقاتل أن يكونَ ضميرَ أهل مكة ، وعلى هذا يكونُ التفاتاً إذ فيه خروجٌ من ضمير الخطاب في قوله " قبلكم " إلى الغَيْبة ، والمعنى : وما كنتم لتؤمنوا ، و " كذلك " نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، أي مثلَ ذلك الجزاء نجزي . وقُرِىء " يَجْزي " بياء الغيبة ، وهو التفاتٌ من التكلم في قوله " أَهْلكنا " إلى الغَيْبة .