لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

أخبر الحقُّ سبحانه بإهلاك الظالمين ، كما في الخبر : " لو كان الظلم بيتاً في الجنَّة لسلّط اللَّهُ عليه الخراب " . والظلمُ وَضْعُ الشيء في غير موضعه ، فإذا وَضَعَ العبدُ قَصْدَه- عند حوائجه - في المخلوقين ، وتعلَّق قلبُه بهم في الاستعانة ، وطََلَبَ المأمول فقد وَضَعَ الشيءَ في غير موضعه ، وهو ظلم ؛ فعقوبة هذا الظلم خرابُ القلب ، وهو انسداد طريق رجوع ذلك القلب إلى الله ؛ لأنه لو رجع إلى الله لأعانه وكفاه ، ولكنه يُصِرُّ على تعليق قلبه بالمخلوق فيبقى عن الله ، ولا ترتفع حاجتُه من غيره ، وكان من فقره وحاجته في مَضَرَّةِ . فإنْ صار إلى مضرة المذلة والحاجة إلى اللئيم فتلك محنةٌ عظيمةٌ .

وعلى هذا القياس إذا أحبَّ مخلوقاً فقد وَضَعَ محبته في غير موضعها ، وهذا ظلم ، وعقوبته خراب روحه لعدم صفاء ودّه ومحبته لله ، وذهاب ما كان يجده من الأنُس بالله ، إذا بقي عن الله يُذيقه الحَقُّ طعمَ المخلوقين ، فلا له مع الخْلقِ سَلْوة ، ولا من الحق إلا الجفوة ، وعدم الصفوة .