إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (6)

{ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ } شروعٌ في بيان تصدّيه عليه الصلاة والسلام لما أُمر به من التذكير للإخراج المذكورِ ، وإذ منصوبٌ على المفعولية بمضمر خوطب به النبيُّ عليه الصلاة والسلام ، وتعليقُ الذكر بالوقت مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوادث قد مر سرُّه غيرَ مرة أي اذكر لهم وقت قولِه عليه الصلاة والسلام لقومه : { اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } بدأ عليه الصلاة والسلام بالترغيب لأنه عند النفس أقبلُ وهي إليه أميلُ ، والظرفُ متعلّقٌ بنفس النعمة إن جُعلت مصدراً أو بمحذوف وقع حالاً منها إن جعلت اسماً أي اذكروا إنعامه عليكم أو اذكروا نعمته كائنةً عليكم ، وكذلك كلمةُ إذْ في قوله تعالى : { إِذَا أنجاكم من آل فرعون } أي اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائِه إياكم من آل فرعون أو اذكروا نعمةَ الله مستقرةً عليكم وقت إنجائِه إياكم منهم أو بدلُ اشتمال من نعمةَ الله مراداً بها الإنعامُ أو العطية { يَسُومُونَكُمْ } يبغونكم مِنْ سامه خَسفاً إذا أولاه ظلماً ، وأصلُ السَّوم الذهابُ في طلب الشيء { سُوء العذاب } السوءُ مصدر ساء يسوء والمرادُ به جنسُ العذاب السيئ أو استعبادهم واستعمالُهم في الأعمال الشاقة والاستهانةُ بهم وغيرُ ذلك مما لا يحصر ، ونصبُه على أنه مفعولٌ ليسومونكم { وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ } المولودين وإنما عطفه على يسومونكم إخراجاً له عن مرتبة العذاب المعتاد ، وإنما فعلوا ذلك لأن فرعون رأى في المنام أو قال له الكهنة أنه سيولد منهم مَنْ يذهب بملكه فاجتهدوا في ذلك فلم يُغن عنهم من قضاء الله شيئاً .

{ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } أي يُبقونهن في الحياة مع الذل والصَّغار ولذلك عد من جملة البلاء . والجملُ أحوالٌ من آل فرعون أو من ضمير المخاطبين أو منهما جميعاً لأن فيها ضميرَ كلَ منهما { وَفِى ذلكم } أي فيما ذكر من أفعالهم الفظيعة { بَلاء من ربّكُمْ } أي ابتلاء منه لا أن البلاء عينُ تلك الأفعال اللهم إلا أن تجعل ( في ) تجريديةً فنسبتُه إلى الله تعالى إما من حيث الخلقُ أو الإقدارُ والتمكين { عظِيمٌ } لا يطاق ، ويجوز أن يكون المشارُ إليه الإنجاء من ذلك ، والبلاءُ الابتلاءُ بالنعمة وهو الأنسب كما يلوح به التعرضُ لوصف الربوبية ، وعلى الأول يكون ذلك باعتبار المآل الذي هو الإنجاءُ أو باعتبار أن بلأَ المؤمن تربيةٌ له .