اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (6)

ولما أمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يذكرهم بأيَّام الله ، وحكى عن موسى -عليه الصلاة والسلام- ، أنَّه ذكَّرهم فقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } .

فقوله : { أَنجَاكُمْ } ظرف للنعمة ، بمعنى الإنعام ، أي : اذكروا نعمة الله عليكم في ذلك الوقت .

قوله : { إِذْ أَنجَاكُمْ } يجوز في ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون منصوباً ب " نِعْمَةَ " .

الثاني : أن يكون منصوباً ب " عَليكُمْ " ، ويوضح ذلك ما ذكره الزمخشري رحمه فإنه قال{[19137]} : " إذْ أنْجَاكُمْ " ظرف للنعمة بمعنى الإنعام ، أي : إنعامه عليكم ذلك الوقت .

فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب ب " عَليْكُمْ " .

قلت : " لا يخلُو إما أن يكون [ إنعامه ]{[19138]} صلة للنعمة بمعنى الإنعام [ أو غير ]{[19139]} صلة ، إذا أردت بالنعمة العطية ، فإذا كان صلة لم يعمل فيه ، وإذا كان غير صلة بمعنى اذكروا نعمة الله مستقرة عليكم عمل فيه ، ويتبين الفرق بين الوجهين ، أنَّك إذا قلت : نعمة الله عليكم ، فإن جعلته صلة لم يكن كلاماً حتى تقول فائضة أو نحوها وإلا كان كلاماً " .

الثالث : أنه بدل من نعمة أي : اذكروا وقت إنجازكم ، وهو بدل اشتمال ، وتقدم الكلام في " يسومونكم " .

قوله : " ويذبحون " حال أخرى من آل فرعون ، وفي البقرة دون " واو " لأن قصد التفسير لسؤال العذاب ، وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو ، وتقول : أتاني القوم : زيدٌ وعمرو ، وذلك قوله تعالى : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ } [ الفرقان : 68 ، 69 ] لما فسر الآثام بمضاعفة العذاب بحذف الواو ، وهاهنا أدخل الواو بمعنى أنهم يعذبونهم بالتذبيح وبغيره ، فالسوم هنا غير السوم هناك .

وقرأ بان محيصن " يَذْبَحُونَ " مخففاً ، و " يستحيون نساءكم " يتركونهن أحياء ، " وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم " ، وفي كونه بلاء وجهان :

الأول : أن تمكين الله إياهم من ذلك الفعل بلاءٌ من الله .

والثاني : أن ذلك إشارة إلى الإنجلاء ، وهو بلاء عظيم ، والبلاء هو الابتلاء ، وذلك قد يكون بالنعمة تارة ، وبالمحنة أخرى ، قال تعالى : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] وهذا أولى لأنه موافق لأول الآية وهو قوله : { اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } ، قاله ابن الخطيب -رحمه الله- .


[19137]:ينظر: الكشاف 2/230.
[19138]:زيادة من أ.
[19139]:في ب: أو لا يكون.