محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (6)

[ 6 ] { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسمونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم 6 } .

{ وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ نجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب } أي : يبغونكم إياه { ويذبحون أبناءكم } أي : المولودين صغارا { ويستحيون نساءكم } أي : يبقونهن في الحياة { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } الإشارة إلى فعل آل فرعون . ونسبته إليه تعالى للخلق أو الإقدار والتمكين . قيل : كون قتل الأبناء ، ابتلاء ظاهر . وأما استحياء النساء ، وهن البنات أي استبقاؤهن ، فلأنهم كانوا يستخدمونهن ويفرقون بينهن وبين الأزواج ، أو لأن بقاءهن دون البنين رزية في نفسه كما قيل :

ومن أعظم الرزء فيما أرى*** بقاء البنات وموت البنينا

ويجوز أن تكون الإشارة إلا الإنجاء من ذلك . و ( البلاء ) الابتلاء بالنعمة ، وهو بلاء عظيم .

قال الزمخشري : البلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعا ، قال تعالى{[5124]} : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } . وقال زهير :

* فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو *

ولذا جوز أن تكون الإشارة إلى جميع ما مر ، الشامل للنعمة والنقمة .

/ لطيفة :

أشار أهل المعاني إلى نكتة مجيء { ويذبحون } هنا بالواو ، وفي سورة البقرة{[5125]} { يذبحون } وفي الأعراف{[5126]} { يقتّلون } بدونها . والقصة واحدة بأنه حيث طرح الواو قصد تفسير العذاب وبيانه ، فلم يعطف لما بينهما من كمال الاتصال . وحيث عطف كما هنا . لم يقصد ذلك . والعذاب ، إن كان المراد منه الجنس ، فالتذبيح ، لكونه أشد أنواعه ، عطف عليه عطف جبريل على الملائكة ، تنبيها على أنه لشدته كأنه ليس من ذلك الجنس . وإن كان المراد به غيره ، كاسترقاقهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة ، فهما متغايران والمحل محل العطف . وجوز أيضا كون العطف هنا للتفسير وكأن التفسير- لكونه أوفى بالمراد وأظهر- بمنزلة المغاير ، فلذا عطف .


[5124]:[21 / الأنبياء / 35].
[5125]:[2 / البقرة / 49].
[5126]:[7 / الأعراف / 141].