معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

قوله تعالى : { سرابيلهم } ، أي : قمصهم ، واحدها سربال . { من قطران } هو الذي تهنأ به الإبل . وقرأ عكرمة ويعقوب { من قطران } على كلمتين منونتين والقطر : النحاس ، والصفر المذاب ، والآن : الذي انتهى حره ، قال الله تعالى : { يطوفون بينها وبين حميم آن } [ الرحمن-44 ] . { وتغشى وجوههم النار } ، أي : تعلو .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

وقوله : سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ يقول : قمصهم التي يلبسونها ، واحدها : سربال ، كما قال امرؤ القيس :

*** لَعُوبٌ تُنَسّينِي إذَا قُمْتُ سرْبالي ***

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ قال : السرابيل : القُمُص .

وقوله : مِنْ قَطِرَانٍ : يقول : من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفيه لغات ثلاث : يقال : قِطْران وقَطْران بفتح القاف وتسكين الطاء منه . وقيل : إن عيسى بن عمر كان يقرأ : مِنْ قِطْرَانٍ بكسر القاف وتسكين الطاء ومنه قول أبي النجم :

جَوْنٌ كأنّ العَرَقَ المَنْتُوحا *** لَبّسَهُ القِطْرَانَ والمُسُوحا

بكسر القاف ، وقال أيضا :

كأنّ قِطْرَانا إذَا تَلاهَا *** تَرْمي بِهِ الرّيحُ إلى مَجْرَاها

بالكسر .

وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : مِنْ قَطِرانٍ يعني : الخَضْخَاض هِناء الإبل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : مِنْ قَطِرَانٍ قال : قطران الإبل .

وقال بعضهم : القطران : النحاس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قَطران : نحاس ، قال ابن جريج : قال ابن عباس : مِنْ قَطِرَانٍ : نحاس .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : مِن قَطِران قال : هي نحاس .

وبهذه القراءة : أعني بفتح القاف وكسر الطاء وتصيير ذلك كله كلمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير «آن » من نعِته ، وتوجيه معنى «القَطر » إلى أنه النحاس ومعنى «الاَن » إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة .

وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذُكر لنا عكرمة مولى ابن عباس .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين عنه . ذكر من تأوّل ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : قطر ، والاَن : الذي قد انتهى حرّه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا داود بن مِهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير نحوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنحوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا المبارك بن فضالة ، قال : سمعت الحسن يقول : كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه : قد أنى حرّ هذا ، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرّها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : القطر : النحاس ، والاَن : يقول : قد أنى حرّه ، وذلك أنه يقول : حميمٌ آن .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا ثابت بن يزيد ، قال : حدثنا هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في هذه الاَية : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من نحاس ، قال : آنٍ أنى لهم أن يعذّبوا به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن عكرمة ، في قوله : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : الاَني : الذي قد انتهى حرّه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : هو النحاس المذاب .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة : «مِنْ قَطُرٍ آنٍ » يعني : الصّفر المذاب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن قتادة : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من نحاس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا أبو حفص ، عن هارون ، عن قتادة أنه كان يقرأ : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من صفر قد انتهى حرّه .

وكان الحسن يقرؤها : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » .

وقوله : وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النّارُ يقول : وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

{ سرابيلهم } قمصانهم . { من قطِران } وجاء قطران لغتين فيه ، وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته ، وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ، ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ، ويحتمل أن يكون تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعا من الغموم والآلام ، وعن يعقوب " قطرآن " والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره ، والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في { مقرنين } . { وتغشى وجوههم النار } وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله ، كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } وقوله تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

و «السرابيل » : القمص{[7116]} ، و «القطران » هو الذي تهنأ به الإبل ، وللنار فيه اشتعال شديد ، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه ، ويقال : «قَطِران » بفتح القاف وكسر الطاء ، ويقال : «قِطْران » بكسر القاف وسكون الطاء ، ويقال : «قَطْران » بفتح القاف وسكون الطاء .

وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف ، وابن عباس وأبو هريرة وعلقمة وسنان بن سلمة وعكرمة وابن سيرين وابن جبير والكلبي وقتادة وعمرو بن عبيد «من قطر آن » و «القطر » : القصدير ، وقيل : النحاس . وروي عن عمر أنه قال : ليس بالقطران ولكنه النحاس يسر بلونه . و «آن » وهو الطائب الحار الذي قد تناهى حره ؛ قال الحسن : قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره . وقال ابن عباس المعنى : أنى أن يعذبوا به .

وقرأ جمهور الناس «وجوهَهم » بالنصب ، «النارُ » بالرفع . وقرأ ابن مسعود «وجوهُهم » بالرفع . «النارَ » بالنصب . فالأولى على نحو قوله : { والليل إذا يغشى }{[7117]} [ الليل : 1 ] فهي حقيقة الغشيان ، والثانية على نحو قول الشاعر : [ الكامل ]

يغشون حتى ما تهر كلابهم . . . لا يسألون عن السواد المقبل{[7118]}

فهي بتجوز في الغشيان ، كأن ورود الوجوه على النار غشيان .


[7116]:واحد السرابيل: سربال، والفعل سربلت وتسربلت، قال كعب بن مالك: تلقاكم عصب حول النبي لهم من نسج داود في الهيجا سرابيل
[7117]:الآية الأولى من سورة (الليل).
[7118]:ذلك لأنه يريد بالغشيان هنا الزيارة، فمجرد قدوم الزوار إليهم غشيان، و الهرير: صوت الكلب دون النباح، يقول: يأتيهم الضيوف ويطرقون أبوابهم في كل وقت حتى أن كلابهم قد اعتادت ذلك فهي لا تنبح ولا تهر أحدا، وهم لا يسألون عن القادم إذا رأوا سوادا لشجاعتهم ولكرمهم. هذا والبيت لحسان بن ثابت قاله يمدح جبلة بن الأيهم الغساني، و هو من قصيدته التي مطلعها: لله در عصابة نادمتهم يوما بجلق في الزمان الأول وفيها يقول: بيض الوجوه كريمة أحسابهم شم الأنوف من الطراز الأول