قوله تعالى : { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ، { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } أي : ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت ، فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءاً لا يتعذر عليه إنشاؤها معيداً . قرأ ابن كثير ، وأبو عمر : { النشأة } بفتح الشين ممدودة حيث وقعت ، وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها الرأفة والرآفة . { إن الله على كل شيء قدير* }
وقوله : قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمنكرين للبعث بعد الممات ، الجاحدين الثواب والعقاب : سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الأشياء وكيف أنشأها وأحدثها وكما أوجدها وأحدثها ابتداء ، فلم يتعذّر عليه إحداثها مُبدئا ، فكذلك لا يتعذّر عليه إنشاؤها معيدا ثُمّ اللّهُ يُنْشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ يقول : ثم الله يبدىء تلك البدأة الاَخرة بعد الفناء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْق خَلْق السموات والأرض ثُمّ اللّهُ يُنْشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ : أي البعث بعد الموت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ اللّهُ يُنْشِىءُ النّشْأةَ الاَخِرَةَ قال : هي الحياة بعد الموت ، وهو النشور .
وقوله : إنّ اللّهَ عَلى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره : إن الله على إنشاء جميع خلقه بعد إفنائه كهيئته قبل فنائه ، وعلى غير ذلك مما يشاء فعله قادر لا يُعجزه شيء أراده .
{ قل سيروا في الأرض } حكاية كلام الله لإبراهيم أو محمد عليهما الصلاة والسلام . { فانظروا كيف بدأ الخلق } على اختلاف الأجناس والأحوال . { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } بعد النشأة الأولى التي هي الإداء ، فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلا اختراع وإخراج من العدم ، والإفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإعادة ، وأن من عرف بالقدرة على الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر ، وقرئ " النشاءة " كالرآفة . { إن الله على كل شيء قدير } لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى .
ثم أمر تعالى نبيه ، ويحتمل أن يكون إبراهيم ، ويحتمل أن يكون محمداً ، إن كان في قصة إبراهيم اعتراض بين كلامين بأن يأمرهم على جهة الاحتجاج بالسير في الأرض والنظر في كل قطر وفي كل أمة قديماً وحديثاً ، فإن ذلك يوجد أن لا خالق إلا الله تعالى ولا يبتدىء بالخلق سواه ، ثم ساق على جهة الخبر أن الله تعالى يعيد وينشيء نشأة القيام من القبور{[9232]} ، وقرأت فرقة «النشأة » ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «النشاءة » على وزن الفعالة وهي قراءة الأعرج ، وهذا كما تقول رأفة ورآفة ، وقرأ الباقون «النشأة » على وزن الفعلة ، وقرأ الزهري «النشّة » بشين مشددة في جميع القرآن ، والبعث من القبور يقوم دليل العقل على جوازه وأخبرت الشرائع وقوعه ووجوده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.