قوله تعالى : { إذ جاءتهم } يعني : عاداً وثموداً ، { الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم } أراد الذين أرسلوا إلى آبائهم من قبلهم ، ومن خلفهم ، يعني من بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم الذين أرسلوا إليهم ، هود وصالح ، فالكناية في قوله { من بين أيديهم } راجعة إلى عاد وثمود وفي قوله :{ ومن خلفهم } راجعة إلى الرسل { أن لا } بأن لا ، { تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل } بدل هؤلاء الرسل ، { ملائكة } أي : لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة ، { فإنا بما أرسلتم به كافرون }
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، حدثنا عبد الله بن حامد الأصفهاني ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي ، أنبأنا أحمد بن مجدة بن العريان ، حدثنا الحماني ، حدثنا ابن فضيل ، عن الأجلح ، عن الذيال بن حرملة ، عن جابر ابن عبد الله قال : قال الملأ من قريش وأبو جهل : قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر ، فأتاه فكلمه ، ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر ، وعلمت من ذلك علماً ، وما يخفى علي إن كان كذلك أو لا ، فأتاه فلما خرج إليه قال : يا محمد أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبم تشتم آلهتنا ؟ وتضلل آباءنا ؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك ألويتنا ؟ فكنت رأساً ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش ؟ وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني أنت وعقبك من بعدك ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم ، فلما فرغ ، قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم { حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته } إلى قوله :{ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عاد وثمود } الآية . فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم فقال أبو جهل : يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى دين محمد ، وقد أعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته ، فانطلقوا بنا إليه ، فانطلقوا إليه ، فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى دين محمد وأعجبك طعامه ، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ؟ فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً ، وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً ، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء ، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، وقرأ السورة إلى قوله : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عاد وثمود } )( فصلت-13 ) فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب . وقال محمد بن كعب القرظي : " حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيداً حليماً ، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل منا بعضها ، فنعطيه ويكف عنا ، وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه ، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ، وعبت آلهتهم ، وكفرت من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد ، فقال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا ، وإن كان هذا الذي بك رئياً تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب ، ولعل هذا شعر جاش به صدرك ، فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم ، حتى إذا فرغ ما عنده من سائر الأمور التي يزعم أنها ترده عما يقول : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو قد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال :فاستمع مني ، قال : فافعل ، فقال صلى الله عليه وسلم :بسم الله الرحمن الرحيم { حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا } ثم مضى فيها يقرأ ، فلما سمعها عتبة أنصت له ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد ، ثم قال :قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ فقال : ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت بمثله قط ، ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني ، خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم ، فأنتم أسعد الناس به ، فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم " .
وقوله : إذْ جاءَتُهُمْ الرّسُلُ مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ يقول : فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود التي أهلكتهم ، إذ جاءت عادا وثمود الرسل من بين أيديهم فقوله «إذ » من صلة صاعقة . وعنى بقوله : مِنْ بَينِ أيْدِيهِمْ الرسل التي أتت آباء الذين هلكوا بالصاعقة من هاتين الأمتين . وعنى بقوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ : من خلف الرسل الذين بعثوا إلى آبائهم رسلاً إليهم ، وذلك أن الله بعث إلى عاد هودا ، فكذّبوه من بعد رسل قد كانت تقدمته إلى آبائهم أيضا ، فكذّبوهم ، فأهلكوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فإن أعْرَضُوا . . . إلى قوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ قال : الرسل التي كانت قبل هود ، والرسل الذين كانوا بعده ، بعث الله قبله رسلاً ، وبعث من بعده رسلاً .
وقوله : ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ اللّهَ يقول تعالى ذكره : جاءتهم الرسل بأن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له ، قالوا : لَوْ شاءَ رَبّنا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً يقول جلّ ثناؤه : فقالوا لرسلهم إذ دعوهم إلى الإقرار بتوحيد الله : لو شاء ربنا أن نوحده ، ولا نعبد من دونه شيئا غيره ، لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلاً بما تدعوننا أنتم إليه ، ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا ، ولكنه رضى عبادتنا ما نعبد ، فلذلك لم يرسل إلينا بالنهي عن ذلك ملائكة .
وقوله : فإنّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ يقول : قال لرسلهم : فإنا بالذي أرسلكم به ربكم إلينا جاحدون غير مصدّقين به .
{ إذ جاءتهم الرسل } حال من { صاعقة عاد } ، ولا يجوز جعله صفة ل { صاعقة } أو ظرفا ل { أنذرتكم } لفساد المعنى . { من بين أيديهم ومن خلفهم } أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة ، أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ، ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة ، وكل من اللفظين يحتملهما ، أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإيمان بهم أجمعين ، ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى : { يأتيها رزقها رغدا من كل مكان } . { ألا تعبدوا إلا الله } بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا . { قالوا لو شاء ربنا } إرسال الرسل . { لأنزل ملائكة } برسالته . { فإنا بما أرسلتم به } على زعمكم . { كافرون } إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.