{ من بين أيديهم ومن خلفهم } ، قال ابن عباس : أي قبلهم وبعدهم ، أي قبل هود وصالح وبعدهما .
وقيل : من أرسل إلى آبائهم ومن أرسل إليهم ؛ فيكون { من بين أيديهم } معناه : من قبلهم ، { ومن خلفهم } معناه : الرسل الذين بحضرتهم .
فالضمير في من خلقهم عائد على الرسل ، قاله الضحاك ، وتبعه الفراء ، وسيأتي عن الطبري نحو من هذا القول .
وقال ابن عطية : { من بين أيديهم } : أي تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود ، وبهذا الاتصال قامت الحجة .
{ ومن خلفهم } : أي جاءهم رسول بعد تقدم وجودهم في الزمن ، وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبر ومباشرة .
انتهى ، وهو شرح كلام ابن عباس .
وقال الزمخشري : { من بين أيديهم ومن خلفهم } : أي آتوهم من كل جانب ، واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض .
كما حكى الله عن الشيطان : { لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } أي لآتينهم من كل جهة ، ولأعملن فيهم كل حيلة .
وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة ، لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاؤوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار ، ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم . انتهى .
وقال الطبري : الضمير في قوله : { ومن خلفهم } عائد على الرسل ، وفي : { من بين أيديهم } عائد على الأمم ، وفيه خروج عن الظاهر في تفريق الضمائر وتعمية المعنى ، إذ يصير التقدير : جاءتهم الرسل من بين أيديهم وجاءتهم من خلف الرسل ، أي من خلف أنفسهم ، وهذا معنى لا يتعقل إلا إن كان الضمير يعود في خلفهم على الرسل لفظاً ، وهو يعود على رسل أخرى معنى ، فكأنه قال : جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلف رسل آخرين ، فيكون كقولهم : عندي درهم ونصفه ، أي ونصف درهم آخر ، وهذا فيه بعد .
وخص بالذكر من الأمم المهلكة عاد وثمود لعلم قريش بحالهما ، ولوقوعهم على بلادهم في اليمن وفي الحجر ، وقال الأفوه الأودي :
أضحوا كقيل بن عنز في عشيرته *** إذ أهلكت بالذي سدى لها عاد
أو بعده كقدار حين تابعه *** على الغواية أقوام فقد بادوا
{ أن لا تعبدوا } : يصح أن تكون أن تفسيرية ، لأن مجيء الرسل إليهم يتضمن معنى القول ، أي جاءتهم مخاطبة ؛ وأن تكون مخففة من الثقيلة ، أي بأنه لا تعبدوا ، والناصبة للمضارع ، ووصلت بالنهي كما توصل بإلا ، وفي نحو : { أن طهر } وكتبت إليه بأن قم ، ولا في هذه إلا وجه للنهي .
ويجوز على بعد أن تكون لا نافية ، وأن ناصبة للفعل ، وقاله الحوفي ولم يذكر غيره .
ومفعول شاء محذوف ، وقدره الزمخشري : لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة . انتهى .
وتتبعت ما جاء في القرآن وكلام العرب من هذا التركيب فوجدته لا يكون محذوفاً إلا من جنس الجواب ، نحو قوله تعالى : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } أي لو شاء جمعهم على الهدى لجمعهم عليه ، وكذلك : { لو نشاء لجعناه حطاماً } { لو نشاء جعلناه أجاجاً } { ولو شاء ربك لآمن } { ولو شاء ربك ما فعلوه } { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } قال الشاعر :
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد *** ولو شاء ربي كنت عمر بن مرثد
واللذ لو شاء لكنت صخراً *** أو جبلاً أشم مشمخرا
فعلى هذا الذي تقرر ، لا يكون تقدير المحذوف ما قاله الزمخشري ، وإنما التقدير : لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة منه إلى الإنس لأنزلهم بها إليهم ، وهذا أبلغ في الامتناع من إرسال البشر ، إذ علقوا ذلك بأقوال الملائكة ، وهو لم يشأ ذلك ، فكيف يشاء ذلك في البشر ؟ { فإنا بما أرسلتم به كافرون } : خطاب لهود وصالح ومن دعا من الأنبياء إلى الإيمان ، وغلب الخطاب على الغيبة ، نحو قولك : أنت وزيد تقومان .
وما مصدرية ، أي بإرسالكم ، وبه توكيد لذلك .
ويجوز أن يكون ما بمعنى الذي ، والضمير في به عائد عليه ، وإذا كفروا بما تضمنه الإرسال ، كان كفراً بالإرسال .
وليس قوله : { بما أرسلتم } إقراراً بالإرسال ، بل هو على سبيل التهكم ، أي بما أرسلتم على زعمكم ، كما قال فرعون : { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.