مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (14)

إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي أتوهم من كل جانب وعملوا فيهم كل حيلة فلم يروا منهم إلا الإعراض .

وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة { أَن } بمعنى «أي » أو مخففة من الثقيلة أصله بأنه { لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله قَالُواْ } أي القوم { لَوْ شَآءَ رَبُّنَا } إرسال الرسل فمفعول { شَاء } محذوف { لأَنزَلَ ملائكة فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون } معناه فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به ، وقوله { أُرْسِلْتُمْ بِهِ } ليس بإقرار بالإرسال وإنما هو على كلام الرسل وفيه تهكم كما قال فرعون : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] وقولهم : { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون } . خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم . رُوي أن قريشاً بعثوا عتبة بن ربيعة وكان أحسنهم حديثاً ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر ما يريد ، فأتاه وهو في الحطيم فلم يسأل شيئاً إلا أجابه ثم قرأ عليه السلام السورة إلى قوله { مّثْلَ صاعقة عَادٍ وَثَمُودَ } فناشده بالرحم وأمسك على فيه ووثب مخافة أن يصب عليهم العذاب فأخبرهم به وقال : لقد عرفت السحر والشعر فوالله ما هو بساحر ولا بشاعر فقالوا : لقد صبأت أما فهمت منه كلمة ؟ فقال : لا ولم أهتد إلى جوابه . فقال عثمان بن مظعون : ذلك والله لتعلموا أنه من رب العالمين .