فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (14)

وقوله : { إِذْ جَاءتْهُمُ الرسل } ظرف لأنذرتكم أو لصاعقة ، لأنها بمعنى العذاب ، أي أنذرتكم العذاب الواقع وقت مجيء الرسل ، أو حال من صاعقة عاد . وهذا أولى من الوجهين الأولين ، لأن الإنذار لم يقع وقت مجيء الرسل ، فلا يصحّ أن يكون ظرفاً له ، وكذلك الصاعقة لا يصحّ أن يكون الوقت ظرفاً لها ، وقوله : { مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } متعلق بجاءتهم ، أي جاءتهم من جميع جوانبهم . وقيل المعنى : جاءتهم الرسل المتقدّمون والمتأخرون على تنزيل مجيء كلامهم منزلة مجيئهم أنفسهم ، فكأن الرسل قد جاءوهم وخاطبوهم بقولهم : { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله } أي بأن لا تعبدوا على أنها المصدرية ، ويجوز أن تكون التفسيرية ، أو المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف . ثم ذكر سبحانه ما أجابوا به على الرسل ، فقال : { قَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ ملائكة } أي لأرسلهم إلينا ، ولم يرسل إلينا بشراً من جنسنا ، ثم صرّحوا بالكفر ، ولم يتلعثموا ، فقالوا : { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون } أي كافرون بما تزعمونه من أن الله أرسلكم إلينا ، لأنكم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا ، فكيف اختصكم برسالته دوننا ، وقد تقدّم دفع هذه الشبهة الداحضة التي جاءوا بها في غير موضع .

/خ14