تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (14)

الآية 14 وقوله تعالى : { إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ } هذا يحتمل وجوها .

أحدها : { إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ } بنبإ من كان [ قبلهم ]{[18461]} ونبإ من كان بعدهم أنهم جميعا قالوا لقومهم : { ألا تعبدوا إلا الله } .

والثاني : { إذ جاءتهم الرسل } بالوعيد والتخويف بعذاب ينزل بهم { من بين أيديهم } أي من حيث يرونه ، ويعلمونه { ومن خلفهم } أي من حيث لا يرونه ، ولا يعلمونه . وهو كقوله عز وجل : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ } { أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأعراف : 97 و 98 } ونحوه .

وقيل : يبعث الله الرسل قبلهم وبعدهم بالذي ذكر ، وهو الدعاء إلى التوحيد لله وجعل العبادة له ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } هذا القول منهم يناقض قولهم وتكذيبهم الرسل وإنكارهم رسالة البشر وطمعهم رسالة الملائكة [ لوجهين :

أحدهما : ]{[18462]} لأنهم ما عرفوا الملائكة ، ولا عاينوهم{[18463]} . فإنما عرفوا الملائكة ، وعلموا بمكانهم برسل البشر ، فكيف أنكروا رسالتهم مع ما لو كان الرسل إليهم الملائكة ، لم يعرفوا أنهم ملائكة إلا بقولهم لما لم تتقدم لهم المعرفة بالملائكة . [ فهذا ]{[18464]} يناقض إنكارهم الرسل من البشر .

والثاني : ما قالوا : { فإنا بما أرسلتم به كافرون } قد أقرّوا رسالتهم حين{[18465]} قالوا : { فإنا بما أرسلتم به كافرون } لأنهم لم يقولوا : إنا بما جئتم به إلينا كافرون ، ولكن قالوا : { فإنا بما أرسلتم به كافرون } . فذلك مما يناقض قولهم ، ويردّ تكذيبهم ، أعني قولهم : { قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة } تعنّتا وعنادا ، وإلا قد علموا أنهم رسل الله ، فيناقضون [ بذلك ما ]{[18466]} قالوا على التعنّت منهم ، والله أعلم .


[18461]:ساقطة من الأصل وم.
[18462]:ساقطة من الأصل وم.
[18463]:في الأصل وم: عاينوا.
[18464]:من م، ساقطة من الأصل.
[18465]:في الأصل وم: حيث.
[18466]:في الأصل وم: بما.