فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (14)

{ إِذْ جَاءَتْهُمُ } أي إلى عاد وثمود ، وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشا كانوا يمرون على بلادهم { الرُّسُلُ } أي هود وصالح ومن قبلهما وكان هود وصالح بين نوح وإبراهيم ، وليس بينهما غيرهما من الرسل ، وأن الذين تقدموا عليهما من الرسل أربعة : نوح وإدريس وشيث وآدم .

{ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي أتوهم من كل جانب ، وعملوا فيهم كل حيلة . فلم يروا منهم إلا الإعراض ، وعن الحسن أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة والظرف متعلق بأنذرتكم أو بالصاعقة لأنها بمعنى العذاب أو حال من صاعقة عاد ، وهذا أولى من الوجهين الأولين لأن الإنذار لم يقع وقت مجيء الرسل فلا يصح أن يكون ظرفا له ، وكذلك الصاعقة لا يصح أن يكون الوقت ظرفا لها ، ومن في الموضعين متعلقة بجاءتهم أي من جميع جوانبهم أو من جهة الزمان الماضي بالإنذار عما جرى على الكفار أو من جهة المستقبل بالتحذير عما سيحيق بهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .

وقيل : المعنى جاءتهم الرسل المتقدمون والمتأخرون على تنزيل مجيء كلامهم ودعوتهم على الحق منزلة مجيء أنفسهم ، فكأن الرسل قد جاؤوهم وخاطبوهم بقولهم :

{ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ } أي بأن لا تعبدوا على أنها مصدرية أو تفسيرية أو مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، ثم ذكر سبحانه ما أجابوا به الرسل فقال : { قَالُوا } أي عاد وثمود مخاطبين لهود وصالح : { لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ } أي لأرسل إلينا { مَلَائِكَةً } ولم يرسل إلينا بشرا من جنسنا ، ثم صرحوا بالكفر ولم يتلعثموا فقالوا : { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي كافرون بما تزعمونه من أن الله أرسلكم إلينا لأنكم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا ، فكيف اختصكم برسالته دوننا .

وقد تقدم دفع هذه الشبهة الدحضة التي جاؤوا بها في غير موضع ، وفيه تغليب المخاطب على الغائب ، فغلبوا هودا وصالحا على من قبلهما من الرسل ، فكأنهم قالوا : فإنا كافرون بكما وبمن دعوتمونا إلى الإيمان به ممن قبلكما من الرسل .