معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهن قاصرات الطرف } غاضات الأعين ، قصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ولا يردن غيرهم . قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجتك . { لم يطمثهن } لم يجامعهن ولم يفرعهن وأصله من الدم ، قيل للحائض : طامث ، كأنه قال : لم تدمهن بالجماع ، { إنس قبلهم ولا جان } قال الزجاج : فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي . قال مجاهد : إذا جامع الرجل ولم يسم الله انطوى الجان على إحليله فجامع معه . قال مقاتل في قوله : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } لأنهن خلقن في الجنة . فعلى قوله : هؤلاء من حور الجنة . وقال الشعبي : هن من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن وهو قول الكلبي ، يعني : لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان . وقرأ طلحة بن مصرف : لم يطمثهن بضم الميم فيهما . وقرأ الكسائي إحداهما بالضم ، فإن كسر الأولى ضم الثانية وإن ضم الأولى كسر الثانية ، لما روى أبو إسحاق السبيعي قال : كنت أصلي خلف أصحاب علي رضي الله عنه فأسمعهم يقرؤون : لم يطمثهن بالرفع ، وكنت أصلى خلف أصحاب عبد الله بن مسعود فأسمعهم يقرؤون بكسر الميم ، وكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الأخرى لئلا يخرج عن هذين الأثرين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

ثم بين - سبحانه - ألوانا أخرى من نعيمهم فقال : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } .

وقوله - سبحانه - : { قَاصِرَاتُ الطرف } صفة لموصوف محذوف . والطمث : كناية عن افتضاض البكارة . يقال : طمث الرجل امرأته - من باب ضرب وقتل - ، إذا أزال بكارتها . وأصل الطمث : الجماع المؤدى إلى خروج دم الفتاة البكر ، ثم أطلق على كل جماع وإن لم يكن معه دم .

أى : فى هاتين الجنتين اللتين أعدهما - سبحانه - لمن خاف مقامه . . . نساء قاصرات عيونهم على أزواجهن ، ولا يتلفتن إلى غيرهم . وهؤلاء النساء من صفاتهن - أيضا - أنهن أبكار ، لم يلمسهن ولم يزل بكارتهن أحد قبل هؤلاء الأزواج . . . وكأن هؤلاء النساء فى صفائهن وجمالهن وحمرة خدودهن . . . الياقوت والمرجان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

والضمير في قوله : { فيهن } للفرش ، وقيل للجنات ، إذ الجنتان جنات في المعنى . والجنى ما يجتنى من الثمار ، ووصفه بالدنو ، لأنه فيما روي في الحديث يتناوله المرء على أي حالة كان من قيام أو جلوس أو اضطجاع{[10846]} لأنه يدنو إلى مشتهيه . و : { قاصرات الطرف } هي الحور العين ، قصرن ألحاظهن على أزواجهن .

وقرأ أبو عمرو عن الكسائي وحده وطلحة وعيسى وأصحاب علي وابن مسعود : «يطمُثهن » بضم الميم . وقرأ جمهور القراء : «يطمِثهن » بكسر الميم . والمعنى : لم يفتضضهن{[10847]} لأن الطمث دم الفرج ، فيقال لدم الحيض : طمث ، ولدم الافتضاض : طمث ، فإذا نفي الافتضاض ، فقد نفي القرب منهن بجهة الوطء . قال الفراء : لا يقال طمث إلا إذا افتض .

قال غيره : طمث ، معناه : جامع بكراً أو غيرها .

واختلف الناس في قوله : { ولا جان } فقال مجاهد : الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن ، إذا لم يذكر الزوج الله تعالى ، فتنفي هذه الآية جميع المجامعات . وقال ضمرة بن حبيب : الجن لهم { قاصرات الطرف } من الجن نوعهم ، فنفى في هذه الآية الافتضاض عن البشريات والجنيات .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل اللفظ أن يكون مبالغة وتأكيداً ، كأنه قال : { لم يطمثهن } شيء ، أراد العموم التام ، لكنه صرح من ذلك بالذي يعقل منه أن يطمث . وقال أبو عبيدة والطبري : إن من العرب من يقول : ما طمث هذا البعير حبل قط ، أي ما مسه .

قال القاضي أبو محمد : فإن كان هذا المعنى ما أدماه حبل ، فهو يقرب من الأول . وإلا فهو معنى آخر غير الذي قدمناه . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «ولا جأن » بالهمز .


[10846]:أخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن البراء بن عازب في قوله: {ودانية عليهم ظلالها}، قال:(قريبة)، و{ذللت قطوفها تذليلا}، قال:(إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أي حال شاءوا)، وفي لفظ قال:(ذللت لهم فيتناولون منها كيف شاءوا).(الدر المنثور).
[10847]:الافتضاض هو النكاح بالتدمية، (نقله صاحب اللسان عن الفراء).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

ضمير { فيهن } عائد إلى فرش وهو سبب تأخير نعم أهل الجنة بلذة التأنّس بالنساء عن ما في الجنات من الأفنان والعيون والفواكه والفرش ، ليكون ذكر الفرش مناسباً للانتقال إلى الأوانس في تلك الفرش وليجيء هذا الضمير مفيداً معنى كثيراً من لفظ قليل ، وذلك من خصائص الترتيب في هذا التركيب .

ف { قاصرات الطرف } كائنة في الجنة وكائنة على الفُرش مع أزواجهن قال تعالى : { وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً } [ الواقعة : 34 36 ] الآية .

و { قاصرات الطرف } : صفة لموصوف محذوف تقديره نساء ، وشاع المدح بهذا الوصف في الكلام حتى نُزّل منزلة الاسم ف { قاصرات الطرف } نساء في نظرهن مثل القصور والغضِّ خِلقة فيهن ، وهذا نظير ما يقول الشعراء من المولّدين مراض العيون ، أي : مثل المراض خِلقة . والقصور : مثل الغضِّ من صفات عيون المها والظباء ، قال كعب بن زهير :

وما سعاد غداةَ البين إذْ رحلُوا *** إلاّ أَغَنُّ غَضِيضُ الطرف مكحول

أي : كغضيض الطرف وهو الظبي .

والطمْث بفتح الطاء وسكون الميم مسيس الأنثى البِكر ، أي من أبكار . وعُبِّر عن البكارة ب { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } إطناباً في التحسين ، وقد جاء في الآية الأخرى { فجعلناهن أبكاراً } [ الواقعة : 36 ] . وهؤلاء هن نساء الجنة لا أزواج المؤمنين اللآئي كُنَّ لهم في الدنيا لأنهن قد يكنّ طمثهم أزواج فإن الزوجة في الجنة تكون لآخر من تزوجها في الدنيا .

وقرأ الجمهور { يطمثهن } هنا ، وفي نظيره الآتي بكسر الميم . وقرأه الدُوري عن الكسائي بضم الميم وهما لغتان في مضارع طمث . ونقل عن الكسائي : التخييرُ بين الضم والكسر .

وقوله : { إنس قبلهم } أي لم يطمثهن أحد قبل ، وقوله : { ولا جان } تتميم واحتراس وهو إطناب دعا إليه أن الجنة دار ثواب لصالحي الإِنس والجن فلما ذكر { إنس } نشأ توهم أن يمَسهن جن فدفع ذلك التوهم بهذا الاحتراس .