معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

قوله تعالى : { وما منعهم أن تقبل منهم } ، قرأ حمزة و الكسائي : { يقبل } بالياء لتقدم الفعل ، وقرأ الباقون بالتاء لأن الفعل مسند إلى جمع مؤنث وهو النفقات ، فأنت الفعل ليعلم أن الفاعل مؤنث ، { نفقاتهم } ، صدقاتهم ، { إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله } ، أي : المانع من قبول نفقاتهم كفرهم ، { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } ، متثاقلون لأنهم لا يرجون على أدائها ثوابا ، ولا يخافون على تركها عقابا ، فإن قيل : كيف ذم الكسل في الصلاة ولا صلاة لهم أصلا ؟ قيل : الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل ، فإن الكفر مكسل ، والإيمان منشط ، { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } ، لأنهم يعدونها مغرما ومنعها مغنما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

ثم بين - سبحانه - على التفصيل لمظاهر فسقهم - أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم .

أما السبب الأول فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ . . } .

أى : وما منعهم قبول نفقاتهم شئ من الأشياء إلا كفرهم بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .

فالاستثناء من أهم الأشياء . والضمير في " منعهم " هو المفعول الأول للفعل ، وقوله : { أَن تُقْبَلَ } هو المفعول الثانى ، لأن الفعل " منع " يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا ، وتارة يتعدى إلى المفعول الثانى بحرف الجر وهو حرف " من " أو " عن " .

والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله : { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ . . } .

وأما السبب الثانى فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى } .

ولفظ " كسالى " . جمع كسلان ، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشئ ، والفتور عن أدائه . وفعله بزنة فرح .

أى : ولا يأتون الصلاة التي كبتها الله عليهم في حال من الأحوال ، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإِيمان ، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثواباً ولا يشخون من وراء تركها عقاباً ، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين .

وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله - تعالى - في سورة النساء : { إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً } وأما ، السبب الثالث فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } .

أى . ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كاروهون لها لأنهم يعدونها مغرماً ، ويعتبرون تركها مغنما ، وما حملهم على الإِنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم ، وافتضاح حالهم .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الكراهية خلاف الطواعية ، وقد جعلهم الله - تعالى - طائعين في قوله " طوعاً " ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك .

قلت : المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من رؤسائهم ، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار ، لا عن رغبة واختيار .

أى : أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله ، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة ، أو خدمة مصالحهم الخاصة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

يحتمل أن يكون معنى الآية : وما منعهم الله من أن تقبل إلا لأجل أنهم كفروا ، ف { أن } الأولى على هذا في موضع خفض نصبها الفعل حين زال الخافض ، و «أن » الثانية ، في موضع نصب مفعول من أجله ، ويحتمل أن يكون التقدير : وما منعهم الله قبول نفقاتهم إلا لأجل كفرهم ، فالأولى على هذا في موضع نصب ، ويحتمل أن يكون المعنى : وما منعهم الله قبول نفقاتهم إلا كفرهم ، فالثانية في موضع رفع فاعلة ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم : «أن تقبل منهم نفقاتهم » وقرأ حمزة والكسائي ونافع فيما روي عنه : «أن يقبل منهم نفقاتهم » بالياء وقرأ الأعرج بخلاف عنه : أن تقبل منهم نفقتهم «بالتاء من فوق وإفراد النفقة ، وقرأ الأعمش ، » أن يقبل منهم صدقاتهم ، وقرأت فرقة : «أن نقبل منهم نفقتهم » بالنون ونصب النفقة ، و { كسالى } جمع كسلان ، وكسلان إذا كانت مؤنثته كسلى لا ينصرف بوجه وإن كانت مؤنثته كسلانة فهو ينصرف في النكرة ثم أخبر عنهم تعالى أنهم «لا ينفقون دومة إلا على كراهية » إذ لا يقصدون بها وجه الله ولا محبة المؤمنين ، فلم يبق إلا فقد المال وهو من مكارههم لا محالة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

عطف على جملة { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فاسقين } [ التوبة : 53 ] لأنّ هذا بيان للتعليل لعدم قبول نفقاتهم بزيادة ذكر سببين آخريْن مانعين من قبول أعمالهم هما من آثار الكفر والفسوق . وهما : أنّهم لا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى ، وأنّهم لا ينفقون إلاّ وهم كارهون . والكفر وإن كان وحده كافياً في عدم القبول ، إلاّ أنْ ذكر هذين السببين إشارة إلى تمكّن الكفر من قلوبهم وإلى مذمّتهم بالنفاق الدالّ على الجبن والتردّد . فذكر الكفر بيان لذكر الفسوق ، وذكر التكاسل عن الصلاة لإظهار أنّهم متهاونون بأعظم عبادة فكيف يكون إنفاقهم عن إخلاص ورغبة . وذكر الكراهية في الإنفاق لإظهار عدم الإخلاص في هذه الخصلة المتحدّث عنها .

وقرأ حمزة والكسائي : { أن يُقبل منهم } بالمثناة التحتية لأنّ جمع غير المؤنّث الحقيقي يجوز فيه التذكير وضدّه .