معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (27)

قوله تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها } بعد ، قال ابن زيد ومقاتل : يعني خيبر ، قال قتادة : كنا نحدث أنها مكة . وقال الحسن : فارس والروم . وقال عكرمة : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة . { وكان الله على كل شيء قديراً } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (27)

{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ } أى : وأورثكم الله - تعالى - أرض هؤلاء اليهود وزروعهم كما أورثكم { وَدِيَارَهُمْ } أى حصونهم { وَأَمْوَالَهُمْ } التى تركوها من خلقهم ، كنقودهم ومواشيهم .

كما أورثكم { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَ } بعد يقصد القتال وهى أرض خيبر ، أو أرض فارس والروم .

وفى هذه الجملة الكريمة { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } بشارة عظيمة للمؤمنين ، بأن الله - تعالى - سينصرهم على أعدائهم .

{ وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } لأنه - سبحانه - لا يعزه شئ .

أخرج الشيخان عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : " لما رجع النبى صلى الله عليه وسلم من الخندق ، وضع السلاح واغتسل ، أتاء جبريل فقال : يا محمد قد وضعت السلاح ، والله ما وضعناه فاخرج إليهم فقال النبى صلى الله عليه وسلم : فإلى أين ؟ قال : ها هنا . وأشار إلى بنى قريظة . فخرج النبى صلى الله عليه وسلم إليهم " .

وعن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال : " قال النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب ، لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة ، فأدرك بعضهم العصر فى الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلى حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلى ، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا .

وبعد أن حاصر المسلمون بنى قريظة خمسا وعشرين ليلة ، نزلوا بعدها على حكم سعد بن معاذ - رضى الله عنه - فحكم بقتل رجالهم ، وتقسيم أموالهم ، وسبى نسائهم وذراريهم .

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم له : " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات " " .

وإلى هنا نجد السورة الكريمة قد حدثتنا حديثا جامعا حكيما عن غزوة الأحزاب ، فقد ذركت المؤمنين - أولا - بنعم الله - تعالى - عليهم ، ثم صورت أحوالهم عندما أحاطت بهم جيوش الأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم .

ثم حكت ما قاله المنافقون فى تلك الساعات العصبية ، وما أشاروا به على أشباههم فى النفاق ، وما اعتذروا به من أعذار باطلة ، وما جبلوا عليه من أخلاق قبيحة ، على رأسها الجبن والخور وضعف العزيمة وفساد النية .

ثم انتقلت إلى الحديث عن المواقف المشرقة الكريمة التى وقفها المؤمنون الصادقون عندما رأوا الأحزاب ، وكيف أنهم ازدادوا إيمانا على إيمانهم ، ووفوا بعهودهم مع الله - تعالى - دون أن يبدلوا تبديلا .

وكا بدئت الآيات بتذكير المؤمنين بنعم الله - تعالى - عليهم ، ختمت - أيضا - بهذا التذكير حيث رد الله أعداءهم عنهم دون أن ينالوا خيرا ، ومكنهم من معاقبة الغادرين من اليهود .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (27)

{ وأورثكم أرضهم } مزارعهم . { وديارهم } حصونهم . { وأموالهم } نقودهم ومواشيهم وأثاثهم . روي انه عليه الصلاة والسلام جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال : إنكم في منازلكم وقال عمر رضي الله عنه : أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال : لا إنما جعلت هذه لي طعمة . { وأرضا لم تطؤها } كفارس والروم ، وقيل خيبر وقيل كل أرض تفتح إلى يوم القيامة . { وكان الله على كل شيء قديرا } فيقدر على ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (27)

وقوله { وأرضاً لم تطؤوها } أي : تنزلوا بها غزاةً وهي أرض أُخرى غير أرض قريظة وصفت بجملة { لم تَطَؤُوها } أي : لم تمشوا فيها . فقيل : إن الله بشرهم بأرض أخرى يرثونها من بعد . قال قتادة : كنا نحدث أنها مكة . وقال مقاتل وابن رومان : هي خيبر ، وقيل : أرض فارس والروم . وعلى هذه التفاسير يتعين أن يكون فعل { أورثكم } مستعملاً في حقيقته ومجازه ؛ فأما في حقيقته فبالنسبة إلى مفعوله وهو { أرضهم وديارهم وأموالهم ، } وأما استعماله في مجازه فبالنسبة إلى تعديته إلى { أرضاً لم تطؤوها ، } أي : أن يورثكم أرضاً أخرى لم تطؤوها ، من باب : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] أو يُؤوَّل فعل { أورثكم } بمعنى : قَدَّر أن يُوَرِّثكم . وأظهر هذه الأقوال أنها أرض خيبر فإن المسلمين فتحوها بعد غزوة قريظة بعام وشهر . ولعلّ المخاطبين بضمير { أورثكم } هم الذين فتحوا خيبر لم ينقص منهم أحد أو فقد منه القليل ولأن خيبر من أرض أهل الكتاب وهم ممن ظاهروا المشركين فيكون قصدُها من قوله { وأرضاً } مناسباً تمام المناسبة .

وفي التذييل بقوله { وكان الله على كل شيء قديراً } إيماء إلى البشارة بفتح عظيم يأتي من بعده .

وعندي : أن المراد بالأرض التي لم يَطؤوها أرض بني النضير وأن معنى { لم تطؤوها } لم تفتحوها عنوة ، فإن الوطء يطلق على معنى الأخذ الشديد ، قال الحارث بن وَعْلَة الذهلي :

وطَأَتَنا وَطْئاً على حَنَق *** وَطْءَ المقيَّد نابت الهَرْم

ومنه قوله تعالى : { ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم } [ الفتح : 25 ] ، فإن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف .