السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (27)

ولما ذكر الناطق بقسميه ذكر الصامت بقوله تعالى : { وأورثكم أرضهم } من الحدائق والمزارع { وديارهم } أي : حصونهم لأنه يحامى عليها ما لا يحامى على غيرها { وأموالهم } من النقد والماشية والسلاح والأثاث وغيرها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم » ، كما للراجل ممن ليس له فرس سهم . وأخرج منها الخمس وكانت الخيل ستة وثلاثين فرساً ، وكان هذا أول فيء وضع فيه السهمان ، وجرى على سننه في المغازي واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سباياهم ريحانة بنت عمرو بن قريظة .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت : يا رسول الله تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها ، وكانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه من أمرها ، فبينما هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال : إن هذا لثعلبة بن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة ، فجاءه فقال : يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك .

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقالت الأنصار في ذلك فقال : إنكم في منازلكم وقال عمر : إنا نخمس كما خمست يوم بدر ، قال : لا إنما جعلت هذه طعمة لي دون الناس قال : رضينا بما صنع الله ورسوله .

وأنزل الله تعالى توبة أبي لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقالت : مم تضحك يا رسول الله أضحك الله تعالى سنك فقال : تيب على أبي لبابة فقالت : ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال : بلى إن شئت ، فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله تعالى عليك ، فثار الناس إليه ليطلقوه فقال : لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده ، فلما مر عليه خارجاً إلى الصبح أطلقه ، ومات سعد بن معاذ بعد انقضاء غزوة بني قريظة .

قالت عائشة : فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي ، قالت : وكانوا كما قال الله تعالى { رحماء بينهم } ( الفتح : 29 ) واختلف في تفسير قوله تعالى { وأرضاً } أي : وأورثكم أرضاً { لم تطؤها } فعن مقاتل أنها خيبر وعليه أكثر المفسرين ، وعن الحسن فارس والروم ، وعن قتادة كما تحدث أنها مكة ، وعن عكرمة كل أرض تفتح إلى القيامة ، ومن بدع التفسير أنه أراد نساءهم انتهى .

ولما كان ذلك أمراً باهراً سهله بقوله تعالى : { وكان الله } أي : أزلاً وأبداً بما له من صفات الكمال { على كل شيء } هذا وغيره { قديراً } أي : شامل القدرة ، روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده » .