معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

قوله تعالى : { يؤفك عنه من أفك } يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه ، يعني : من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن . وقيل : " عن " بمعنى " من أجل " أي : يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من صرف . وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون : إنه ساحر وكاهن ومجنون ، فيصرفونه عن الإيمان ، وهذا معنى قول مجاهد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

ثم أقسم - سبحانه - قسما آخر بالسماء ذات الحبك فقال : { والسمآء ذَاتِ الحبك إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } .

والحبك : جمع حَبِيكة ، كطريقة - وزنا ومعنى - ، أو جمع حِبَاك - كمُثُل ومِثَال - ، والحبيكة والحباك . الطريقة فى الرمل وما يشبهه . أى : وحق السماء ذات الطرق المتعددة ، والتى لا ترونها بأعينكم لبعدها عنكم .

ويرى بعضهم أن معنى ذات الحبك : ذات الخَلْق الحسن المحكم . . . أو ذات الزينة والجمال .

قال القرطبى : وفى الحبك أقوال : الأول : قال : ابن عباس : ذات الخلْق الحسن المستوى يقال ، حبَك فلان الثوب يحبِكُه - بكسر الباء - إذا أجاد نسجه .

الثانى : ذات الزينة . الثالث : ذات النجوم ، الرابع : ذات الطرائق . ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها . الخامس : ذات الشدة . .

وقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } جواب القسم . وقوله : { يُؤْفَكُ عَنْهُ . . . } من الأفْك - بفتح الهمزة وسكون الفاء - بمعنى الصرف للشىء عن وجهه الذى يجب أن يكون عليه .

والضمير فى " عنه " يعود إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أو إلى القرآن الكريم .

فيكون المعنى : وحق السماء ذات الطرق المتعددة ، وذات الهيئة البديعة المحكمة الجميلة . . . إنكم - أيها المشركون - " لفى قول مختلف " أى : متناقض متخالف ، فمنكم من يقول عن القرآن الكريم أنه : أساطير الأولين ، ومنكم من يقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إنه ساحر أو مجنون .

والحق أنه يصرف عن الإيمان بهذا القرآن الكريم الذى جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صرفه الله - تعالى - عنه ، بسبب إيثاره الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والكفر على الإيمان .

والتعبير بقوله : { مَنْ أُفِكَ } للإشعار بأن هذا الشقى الذى آثر الكفر على الإيمان ، قد صرف عن الرشاد وعن الخير صرفا ، ليس هناك ما هو أشد منه فى سوء العاقبة .

فهذا التعبير شبيه فى التهويل بقوله - تعالى - : { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ } قال الجمل : { يُؤْفَكُ } يصرف { عَنْهُ } عن النبى - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم . أى : عن الإيمان به { مَنْ أُفِكَ } أى : من صرف عن الهداية فى علم الله - تعالى - .

وقيل : الضمير للقول المذكور ، أى : يرتد ، أى : يصرف عن هذا القول من صرف عنه فى علم الله - تعالى - وهم المؤمنون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

{ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي : إنما يروج على من هو ضال في نفسه ؛ لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غَمْر ، لا فهم له ، كما قال تعالى : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 161 - 163 ] .

قال ابن عباس ، والسدي : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } : يضل عنه من ضل . وقال مجاهد : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } يؤفن عنه من أفن . وقال الحسن البصري : يصرف عن هذا القرآن من كذب به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

و{ يؤفك } : يصرف . والأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء : الصرف . وأكثر ما يستعمل في الصرف عن أمر حسن ، قاله مجاهد كما في « اللسان » ، وهو ظاهر كلام أيمة اللغة والفراء وشمّر وذلك مدلوله في مواقعه من القرآن .

وجملة { يؤفك عنه من أفك } يجوز أن تكون في محل صفة ثانية ل { قولٍ مختلف } ، ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { وإن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] ، فتكون جملة { والسماء ذاتِ الحبك إنكم لفي قول مختلف } معترضة بين الجملة البيانية والجملة المبيَّن عنها . ثم إن لفظ { قول } يقتضي شيئاً مقولاً في شأنه فإذ لم يذكر بعد { قول } ما يدل على مقول صلَح لجميع أقوالهم التي اختلقوها في شأنه للقرآن ودعوة الإسلام كما تقدم .

فلما جاء ضميرُ غيبة بعد لفظ { قول } احتمل أن يعود الضمير إلى { قولٍ } لأنه مذكور ، وأن يعود إلى أحوال المقول في شأنه فقيل ضمير { عنه } عائد إلى { قول مختلف } وأن معنى { يؤفك عنه } يصرف بسببه ، أي يصرف المصروفون عن الإيمان فتكون ( عن ) للتعليل كقوله تعالى : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } [ هود : 53 ] وقوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : 114 ] ، وقيل ضمير { عنه } عائد إلى { ما توعدون } [ الذاريات : 22 ] أو عائد إلى { الدين } [ الذاريات : 6 ] ، أي الجزاء أن يؤفك عن الإيمان بالبعث والجزاء من أفك . وعن الحسن وقتادة : أنه عائد إلى القرآن أو إلى الدين ، أي لأنهما مما جرى القول في شأنهما ، وحرف ( عن ) للمجاوزة .

وعلى كل فالمراد بقوله { من أفك } المشركون المصروفون عن التصديق . والمراد بالذي فعل الأفك المجهول المشركون الصارفون لقومهم عن الإيمان ، وهما الفريقان اللذان تضمنهما قوله تعالى : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والْغَوْا فيه لعلكم تغلِبُون } [ فصلت : 26 ] .

وإنما حذف فاعل { يؤفك } وأبهم مفعوله بالموصولية للاستيعاب مع الإيجاز .

وقد حمَّلهم الله بهاتين الجملتين تبعةَ أنفسهم وتبعة المغرورين بأقوالهم كما قال تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] .