معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

قوله تعالى : { لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } وكان الأمر كذلك ، فإنهم أخرجوا من ديارهم فلم يخرج المنافقون معهم . قوله تعالى : { ولئن نصروهم ليولن الأدبار } أي لو قدر وجود نصرهم . قال الزجاج : معناه لو قصدوا نصر اليهود لولوا الأدبار منهزمين ، { ثم لا ينصرون } يعني بني النضير لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصرهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

ثم أبطل - سبحانه - أقولاهم بصورة أكثر تفصيلا فقال : { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } .

أى : والله لئن أخرج المؤمنون اليهود من ديارهم ، فإن هؤلاء المنافقين لا يخرجون معهم ، ولئن قاتل المؤمنون اليهود ، فإن المنافقين لن ينصروا اليهود ، ولئن نصروهم - على سبيل الفرض والتقدير - ليولين المنافقون الأدبار فرارا منكم - أيها المؤمنون - ، ثم لا ينصرون بعد ذلك ، لاهم ولا من قاموا بنصرهم ، لأن الفريقين اجتمعوا على الباطل واتحدث قلوبهم فىالجبن والخور والحرص على الحياة .

فأنت ترى أن هاتين الآيتين الكريمتين ، قد وصفتا المنافقين ، بالكفر والعصيان ، وبالتحالف مع كل محارب للدعوة الإسلامية ، وبنقض العهود ، وخلف الوعود ، وبالجبن الخالع ، والكذب الواضح . .

وقد تحقق ما أخبرت عنه الآيتان عن هؤلاء المنافقين . فإن يهود بنى النضير عندما جد الجد ، وحالت ساعة رحيلهم . . . أرسلوا إلى المنافقين يطلبون عونهم ، فما كان من المنافقين إلا أن خذلوهم ، وتحللوا من وعودهم لهم . .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } يعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم ؟ قلت : معناه ، ولئن نصروهم على سبيل الفرض والتقدير . . . كقوله { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وكما يعلم - سبحانه - ما يكون فهو يعلم مالا يكون .

والمعنى : ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك . أى يهلكم الله - تعالى - ولا ينفعهم نفاقهم ، لظهور كفرهم ، أو لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصر المنافقين لهم .

وفيه دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

{ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ } أي : لا يقاتلون معهم ، { وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ } أي : قاتلوا معهم { لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ } وهذه بشارة مستقلة بنفسها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

{ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ } .

بيان لجملة { والله يشهد إنهم لكاذبون } [ الحشر : 11 ] .

واللام موطئة للقسم وهذا تأكيد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يضرّوه شيئاً لكيلا يعبأ بما بلغه من مقالتهم .

وضمير { أخرجوا } و { قوتلوا } عائدان إلى { الذين كفروا من أهل الكتاب } [ الحشر : 11 ] ، أي الذين لم يخرجوا ولما يقاتلوا وهم قريظة وخيبر ، أما بنو النضير فقد أُخْرِجُوا قبل نزول هذه السورة فهم غير معنيين بهذا الخبر المستقبل . والمعنى : لئن أخرج بقية اليهود في المستقبل لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا في المستقبل لا ينصرونهم . وقد سلك في هذا البيان طريق الإِطناب . فإن قوله : { والله يشهد إنهم لكاذبون } [ الحشر : 11 ] جمع ما في هاتين الجملتين فجاء بيانه بطريقة الإِطناب لزيادة تقرير كذبهم .

{ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الادبار ثُمَّ لاَ ينصرون } .

ارتقاء في تكذيبهم على ما وعدوا به إخوانهم ، والواو واو الحال وليست واو العطف .

وفعل نصروهم إرادة وقوع الفعل بقرينة قوله : { ليولن الأدبار ثم لا ينصرون } فيكون إطلاق الفعل على إرادته مثل قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية } [ المائدة : 6 ] وقوله : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [ النحل : 98 ] .

وقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } [ البقرة : 226 ] ، أي يريدون العود إلى ما امتنعوا منه بالإِيلاء . والمعنى : أنه لو فرض أنهم أرادوا نصرهم فإن أمثالهم لا يترقب منهم الثبات في الوغَى فلو أرادوا نصرهم وتجهّزوا معهم لفرّوا عند الكريهة وهذا كقوله تعالى : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم } [ التوبة : 47 ] .

ويجوز أن يكون أطلق النصر على الإِعانة بالرجال والعتاد وهو من معاني النصر .

و { ثمّ } في قوله : { ثم لا ينصرون } للتراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل فإن انتفاء النصر أعظم رتبة في تأييس أهل الكتاب من الانتفاع بإعانة المنافقين فهو أقوى من انهزام المنافقين إذا جاؤوا لإِعانة أهل الكتاب في القتال .

والنصر هنا بمعنى : الغلب .

وضمير { لا ينصرون } عائد إلى الذين كفروا من أهل الكتاب إذ الكلام جارٍ على وعد المنافقين بنصر أهل الكتاب .

والمقصود تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتأمينهم من بأس أعدائهم .