مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

ولما شهد على كذبهم على سبيل الإجمال أتبعه بالتفصيل فقال :{ لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ، ولئن قوتلوا لا ينصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون } .

واعلم أنه تعالى عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها ، فعلم الموجودات في الأزمنة الثلاثة ، والمعدومات في الأزمنة الثلاثة ، وعلم في كل واحد من هذه الوجوه الستة ، أنه لو كان على خلاف ما وقع كيف كان يكون على ذلك التقدير ، فهاهنا أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم ، وقد كان الأمر كذلك ، لأن بني النضير لما أخرجوا لم يخرج معهم المنافقين ، وقوتلوا أيضا فما نصروهم ، فأما قوله تعالى : { ولئن نصروهم } فتقديره كما يقول المعترض الطاعن في كلام الغير : لا نسلم أن الأمر كما تقول ، ولئن سلمنا أن الأمر كما تقول ، لكنه لا يفيد لك فائدة ، فكذا هاهنا ذكر تعالى أنهم لا ينصرونهم ، وبتقدير أن ينصروا إلا أنهم لا بد وأن يتركوا تلك النصرة وينهزموا ، ويتركوا أولئك المنصورين في أيدي الأعداء ، ونظير هذه الآية قوله : { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } ، فأما قوله : { ثم لا ينصرون } ففيه وجهان : ( الأول ) أنه راجع إلى المنافقين يعني لينهز من المنافقون : { ثم لا ينصرون } بعد ذلك أي يهلكهم الله ، ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم ( والثاني ) لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين .