البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

{ ألم تر إلى الذين نافقوا } الآية : نزلت في عبد الله بن أبيّ ، ورفاعة بن التابوت ، وقوم من منافقي الأنصار ، كانوا بعثوا إلى بني النضير بما تضمنته الجمل المحكية بقوله : { يقولون } ، واللام في { لإخوانهم } للتبليغ ، والإخوة بينهم إخوة الكفر وموالاتهم ، { ولا نطيع فيكم } : أي في قتالكم ، { أحداً } : من الرسول والمؤمنين ؛ أو { لا نطيع فيكم } : أي في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة ، و { لننصرنكم } : جواب قسم محذوف قبل أن الشرطية ، وجواب أن محذوف ، والكثير في كلام العرب إثبات اللام المؤذنة بالقسم قبل أداة الشرط ، ومن حذفها قوله :

{ وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين } التقدير : ولئن لم ينتهوا لكاذبون ، أي في مواعيدهم لليهود ، وفي ذلك دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب ، ولذلك لم يخرجوا حين أخرج بنو النضير ، بل أقاموا في ديارهم ، وهذا إذا كان قوله : { لإخوانهم } أنهم بنو النضير .

وقيل : هم يهود المدينة ، والضمائر على هذين القولين .

وقيل : فيها اختلاف ، أي لئن أخرج اليهود لا يخرج المنافقون ، ولئن قوتل اليهود لا ينصرهم المنافقون ، ولئن نصر اليهود المنافقين ليولي اليهود الأدبار ، وكأن صاحب هذا القول نظر إلى قوله : { ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } ، فقد أخبر أنهم لا ينصرونهم ، فكيف يأتي { ولئن نصروهم } ؟ فأخرجه في حيز الإمكان ، وقد أخبر أنهم لا ينصرونهم ، فلا يمكن نصرهم إياهم بعد إخباره تعالى أنه لا يقع .

وإذا كانت الضمائر متفقة ، فقال الزمخشري : معناه ولئن نصروهم على الفرض ، والتقدير كقوله : { لئن أشركت ليحبطن عملك } وكما يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون .

وقال ابن عطية : معناه : ولئن خالفوا ذلك فإنهم ينهزمون . انتهى .

والظاهر أن الضمير في { ليولن الأدبار } ، وفي { ثم لا ينصرون } عائد على المفروض أنهم ينصرونهم ، أي ولئن نصرهم المنافقون ليولن المنافقون الأدبار ، ثم لا ينصر المنافقون .

وقيل : الضمير في التولي عائد على اليهود ، وكذا في { لا ينصرون } .

قال ابن عطية : وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله : { لا يخرجون } و { لا ينصرون } لأنها راجعة على حكم القسم ، لا على حكم الشرط ، وفي هذا نظر . انتهى .

وأي نظر في هذا ؟ وهذا جاء على القاعدة المتفق عليها من أنه إذا تقدم القسم على الشرط كان الجواب للقسم وحذف جواب الشرط ، وكان فعله بصيغة المضي ، أو مجزوماً بلم ، وله شرط ، وهو أن لا يتقدمه طالب خبر .

واللام في { لئن } مؤذنة بقسم محذوف قبله ، فالجواب له .

وقد أجاز الفراء أن يجاب الشرط ، وأن تقدم القسم ، ورده عليه البصريون .