اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

قوله تعالى : { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } .

أجيب القسم لسبقه ، ولذلك رفعت الأفعال ولم تجزم ، وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه ، ولذلك كان فعل الشرط ماضياً{[56006]} .

وقال أبو البقاء{[56007]} رحمه الله : قوله تعالى : { لاَ يَنصُرُونَهُمْ } لما كان الشرط ماضياً ترك جزم الجواب انتهى . وهو غلط ؛ لأن { لاَ يَنصُرُونَهُمْ } ليس جواباً للشرط بل جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف كما تقدم وكأنه توهم أنه من باب قوله : [ البسيط ]

وإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألةٍ *** يَقولُ : لا غَائِبٌ مَالِي ولا حَرِمُ{[56008]} .

وقد سبق أبا البقاء ابنُ عطية إلى ما يوهم شيئاً من ذلك ، ولكنه صرح بأنه جواب القسم ، فقال : «جاءت الأفعال غير مجزومة في «لا يخرجون ولا ينصرون » ؛ لأنها راجعة على حكم القسم{[56009]} لا على حكم الشرط ، وفي هذا نظر » .

فقوله : «وفي هذا نظر » يوهم أنه جاء على خلاف ما يقتضيه القياس وليس كذلك ، بل جاء على ما يقتضيه القياس .

وفي هذه الضمائر قولان{[56010]} :

أحدهما : أنها كلها للمنافقين .

والثاني : أنها مختلفة بعضها لهؤلاء ، وبعضها لهؤلاء .

فصل :

اعلم أنه - تعالى - عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها{[56011]} ، وقد أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا ، فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم ، وكان الأمر كذلك ؛ لأن بني النضير لما خرجوا لم يخرج معهم المنافقون ، وقاتلوا أيضاً فما نصروهم ، وهذا كما يقول المعترض الطاعن في كلام الغير : لا نسلم أن الأمر كما تقول ، ولئن سلمنا أن الأمر كما تقول إلا أنه لا يفيد ذلك فائدة فكذا هاهنا ذكر تعالى أنهم لا يخرجون معهم ، وبتقدير أن ينصروهم إلا أنهم لا بد وأن يتركوا النُّصرة وينهزموا ، ويتركوا أولئك المنصورين في أيدي أعدائهم ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] .

[ وقيل{[56012]} : معنى لا ينصرونهم : لا يدومون على نصرهم ، هذا على أن الضميرين متفقان على اختلاف الضميرين ، فالمعنى : لئن أخرج اليهود لا يخرج معهم المنافقون ، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } أي : ولئن نصر اليهود المنافقين ليولُّنَّ الأدبار ]{[56013]} .


[56006]:ينظر: السابق 6/297.
[56007]:ينظر الإملاء 2/1216.
[56008]:تقدم.
[56009]:ينظر: المحرر الوجيز 5/289.
[56010]:ينظر: الدر المصون 6/297.
[56011]:ينظر: الفخر الرازي 29/251.
[56012]:ينظر: القرطبي 18/23.
[56013]:سقط من: أ.