معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

قوله تعالى : { أم أنا خير } بل أنا خير ، " أم " بمعنى بل ليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال : { أنا خير } ، { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : { ولا يكاد يبين } يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

و { أَمْ } فى قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } هى المنقطعة المقدرة بمعنى بل التى هى للاضراب ، والإِشارة بهذا تعود لموسى - عليه السلام - .

أى : بل أنا خير من هذا الذى هو فقير وليس صاحب ملك أو سطوة أو مال . . . وفى الوقت نفسه { لاَ يَكَادُ يُبِينُ } أى : لا يكاد يظهر كلامه لعقدة فى لسانه . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

وقوله : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } قال السدي : يقول : بل أنا خير من هذا الذي هو مهين . وهكذا قال بعض نحاة البصرة : إن " أم " هاهنا بمعنى " بل " . ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها : " أما أنا خير من هذا الذي هو مهين " . قال ابن جرير : ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحا واضحا ، ولكنها خلاف قراءة الأمصار ، فإنهم قرؤوا : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } ؟ على الاستفهام .

قلت : وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون - عليه اللعنة {[26066]} - أنه خير من موسى ، عليه السلام ، وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .

ويعني بقوله : { مهين } كما قال سفيان : حقير . وقال قتادة والسدي : يعني : ضعيف . وقال ابن جرير : يعني : لا ملك له ولا سلطان ولا مال .

{ وَلا يَكَادُ يُبِينُ } يعني : لا يكاد يفصح عن كلامه{[26067]} ، فهو عيي حصر . {[26068]}

قال السدي : { وَلا يَكَادُ يُبِينُ } أي : لا يكاد يفهم . وقال قتادة ، والسدي ، وابن جرير : يعني عيي اللسان . وقال سفيان : يعني في لسانه شيء من الجمرة حين{[26069]} وضعها في فيه وهو صغير .

وهذا الذي قاله فرعون - لعنه الله - كذب واختلاق ، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى ، عليه السلام ، بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى{[26070]} ، عليه السلام ، من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر{[26071]} أبصار ذوي [ الأبصار و ]{[26072]} الألباب . وقوله : { مهين } كذب ، بل هو المهين الحقير خِلْقةً وخلقا ودينا . وموسى [ عليه السلام ]{[26073]} هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد{[26074]} . وقوله : { وَلا يَكَادُ يُبِينُ } افتراء أيضا ، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل الله ، عز وجل ، أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله ، وقد استجاب الله {[26075]} له في [ ذلك في ]{[26076]} قوله : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } [ طه : 26 ] ، وبتقدير أن يكون قد بقى شيء لم يسأل إزالته ، كما قاله الحسن البصري ، وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام ، فالأشياء الخلقية {[26077]} التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها ، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا ، وإنما أراد الترويج على رعيته ، فإنهم كانوا جهلة أغبياء ،


[26066]:- (2) في ت، م، أ: "لعنة الله".
[26067]:- (3) في ت: "بكلامه".
[26068]:- (4) في ت، أ: "حصير".
[26069]:- (5) في ت: "التي".
[26070]:- (6) في ت: "الموسى".
[26071]:- (7) في ت، م: "تبهر".
[26072]:- (8) زيادة من ت.
[26073]:- (9) زيادة من ت، م.
[26074]:- (1) في ت: "الرشيد".
[26075]:- (2) في ت: "استجاب الله دعاءه له".
[26076]:- (3) زيادة من ت، م.
[26077]:- (4) في ت: "الخلقية"، وفي م: "الخلقة".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

وقوله : { أم أنا خير } قال سيبويه : { أم } هذه المعادلة ، والمعنى : أم أنتم لا تبصرون ، فوضع موضع قوله : أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يبصر عنده ، وهو أنه خير من موسى . و «لا » على هذا النظر نافية . وقالت فرقة : { أفلا تبصرون } أم لا تبصرون ، ثم اقتصر على { أم } لدلالة ظاهر الكلام على المحذوف منه ، وابتدأ قوله : { أنا خير } إخباراً منه ، فقوله : { أفلا } على هذا النظر بمنزلة : هلا ولولا على معنى التخصيص . وقالت فرقة : { أ } بمعنى بل .

وقرأ بعض الناس : «أما أنا خير » ، حكاه الفراء ، وكان مجاهد يقف على { أم } ثم يبتدئ : { أنا خير } . قال قتادة : وفي مصحف أبي بن كعب : «أم أنا خير أم هذا » . و { مهين } معناه ضعيف وقوله : { ولا يكاد يبين } إشارة إلى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة ، وذلك أنها كانت أحدثت في لسانه عقدة ، فلما دعا في أن تحل ليفقه قوله ، أجيبت دعوته ، لكنه بقي أثر كان البيان يقع منه ، لكن فرعون عير به . وقوله : { ولا يكاد يبين } يقتضي أنه كان يبين .

وقرأ أبو جعفر بن علي : «يَبين » بفتح الياء الأولى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

{ أم } منقطعة بمعنى ( بل ) للإضراب الانتقالي . والتقدير : بل أأنا خير ، والاستفهام اللازم تقديره بعدها تقريريٌ . ومقصوده : تصغير شأن موسى في نفوسهم بأشياء هي عوارض ليست مؤثرة انتقل من تعظيم شأن نفسه إلى إظهار البون بينه وبين موسى الذي جاء يحقر دينه وعبادة قومه إياه ، فقال : أنا خير من هذا . والإشارة هنا للتحقير . وجاء بالموصول لادعاء أن مضمون الصلة شيء عرف به موسى .

والمَهين بفتح الميم : الذليل الضعيف ، أراد أنه غريب ليس من أهل بُيوت الشرف في مصر وليس له أهل يعتزّ بهم ، وهذا سفسطة وتشغيب إذ ليس المقام مقام انتصار حتى يحقَّر القائم فيه بقلة النصير ، ولا مقامَ مباهاة حتى ينتقص صاحبه بضعف الحال .

وأشار بقوله : { ولا يكاد يبين } إلى ما كان في منطق موسى من الحُبسة والفهاهة كما حَكى الله في الآية عن موسى { وأخي هارونُ هو أفصح منّي لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني } [ القصص : 34 ] وفي الأخرى { واحلُلْ عقدةً من لساني يفقهوا قولي } [ طه : 27 ، 28 ] ، وليس مقام موسى يومئذٍ مقام خطابة ولا تعليم وتذكير حتى تكون قلة الفصاحة نَقْصاً في عمله ، ولكنه مقام استدلال وحجة فيكفي أن يكون قادراً على إبلاغ مراده ولو بصعوبة وقد أزال الله عنه ذلك حين تفرغ لدعوة بني إسرائيل كما قال : { قد أوتيت سُؤْلك يا موسى } [ طه : 36 ] . ولعلّ فرعون قال ذلك لِما يعلم من حال موسى قبل أن يرسله الله حين كان في بيت فرعون فذكر ذلك من حالهِ ليذكِّر الناس بأمر قديم فإن فرعون الذي بُعث موسى في زمنه هو منفطاح الثاني وهو ابن رعمسيس الثاني الذي وُلد موسى في أيامه ورُبّي عنده ، وهذا يقتضي أن ( منفطاح ) كان يعرف موسى ولذلك قال له { أَلَمْ نُربِّكَ فِينا وَلِيداً ولَبِثْتَ فينا من عُمُرِكَ سنين } [ الشعراء : 18 ] .

وأما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فلما أُرسل إلى أُمَّةٍ ذات فصاحة وبلاغة وَكانت معجزته القرآن المعجز في بلاغته وفصاحته وكانت صفة الرّسول الفصاحةَ لتكون له المكانةُ الجليلة في نفوس قومه .

ومعنى { ولا يكاد يبين } ويكاد أن لا يبين ، وقد تقدم القول في مثله عند قوله تعالى : { فذبحوها وما كَادوا يفعلون } في سورة البقرة ( 71 ) .