معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } قرأ أهل الشام { ذو الجلال } بالواو وكذلك هو في مصاحفهم إجراءً على الاسم .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، حدثنا أبو بكر الجوزي ، أنبأنا أحمد بن حرب ، أنبأنا أبو معاوية الضرير عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة لم يعقد إلا مقدار ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام } .

أى : جل شأن الله - تعالى - ، وارتفع اسمه الجليل عما لا يليق بشأنه العظيم ، فهو - عز وجل - صاحب الجلال . أى : العظمة والاستغناء المطلق ، والإكرام . أى : الفضل التام ، والإحسان الذى لا يقاربه إحسان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ثم قال : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } أي : هو أهل أن يجل فلا يعصى ، وأن يكرم فيعبد ، ويشكر فلا يكفر ، وأن يذكر فلا ينسى .

وقال ابن عباس : { ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } ذي العظمة والكبرياء .

وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن عمير {[27964]} بن هانئ ، عن أبي العذراء ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجِدّوا الله يغفر لكم " {[27965]} .

وفي الحديث الآخر : " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وذي السلطان ، وحامل القرآن {[27966]} غير الغالي فيه ولا الجافي عنه " {[27967]} .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو يوسف الجيزي {[27968]} ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام " .

وكذا رواه الترمذي ، عن محمود بن غيلان ، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، به{[27969]} .

ثم قال : غلط المؤمل فيه ، وهو غريب وليس بمحفوظ ، وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يحيى بن حسان المقدسي ، عن ربيعة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألظوا بذي الجلال والإكرام " .

ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك ، به{[27970]} .

وقال الجوهري : ألظ فلان بفلان : إذا لزمها{[27971]} .

وقول ابن مسعود : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " أي : الزموا . ويقال : الإلظاظ هو الإلحاح .

قلت : وكلاهما قريب من الآخر - والله أعلم - وهو المداومة واللزوم والإلحاح . وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد - يعني : بعد الصلاة - إلا قدر ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت ذا الجلال والإكرام " {[27972]} .

آخر تفسير سورة الرحمن ، ولله الحمد [ والمنة ] {[27973]}


[27964]:- (7) في أ: "عمر".
[27965]:- (8) المسند (5/199) وقال الهيثمي في المجمع (1/31): "وفي إسناده أبو العذراء وهو مجهول".
[27966]:- (9) في م: "الذكر".
[27967]:- (10) رواه أبو داود في السنن برقم (4843) والبيهقي في السنن الكبرى (8/163) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[27968]:- (11) في الأصل وبقية النسخ: "الحربي" والتصويب من أبي يعلى.
[27969]:- (12) مسند أبي يعلى (6/445) وسنن الترمذي برقم (3522). وقال ابن طاهر: "وقد تابع المؤمل فيه روح بن عبادة وروح حافظ ثقة".أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي (3/396) من طريق روح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن؟؟؟؟؟؟؟
[27970]:- (1) المسند (4/177) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11563).
[27971]:- (2) لسان العرب (7/459).
[27972]:- (3) صحيح مسلم برقم (592) وسنن أبي داود برقم (1512) وسنن الترمذي برقم (298) وسنن النسائي (3/69) وسنن ابن ماجه برقم (924).
[27973]:- (4) زيادة من م، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

تبارك اسم ربك تعالى اسمه من حيث إنه مطلق على ذاته فما ظنك لذاته وقيل الاسم بمعنى الصفة أو مقحم كما في قوله إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ذي الجلال والإكرام وقرأ ابن عامر بالرفع صفة للاسم .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله تعالى عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

إيذان بانتهاء الكلام وفذلكة لما بنيت عليه السورة من التذكير بعظمة الله تعالى ونعمائه في الدنيا والآخرة .

والكلام : إنشاء ثناء على الله تعالى مبالغ فيه بصيغة التفعل التي إذا كان فعلها غير صادر من اثنين فالمقصود منها المبالغة .

والمعنى : وصفه تعالى بكمال البركة ، والبركة : الخير العظيم والنفع ، وقد تطلق البركة على علو الشأن ، وقد تقدم ذلك في أول سورة الفرقان .

والاسم ما دل على ذات سواء كان علَماً مثل لفظ « الله » أو كان صفة مثل الصفات العُلى وهي الأسماء الحسنى ، فأيّ اسم قدرت من أسماء الله فهو دال على ذات الله تعالى .

وأسند { تبارك } إلى { اسم } وهو ما يُعرف به المسمى دون أن يقول : تبارك ربك ، كما قال : { تبارك الذي نزل الفرقان } [ الفرقان : 1 ] وكما قال : { فتبارك الله أحسن الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] لقصد المبالغة في وصفه تعالى بصفة البركة على طريقة الكناية لأنها أبلغ من التصريح كما هو مقرر في علم المعاني ، وأطبق عليه البلغاء لأنه إذا كان اسمه قد تبارك فإن ذاته تباركت لا محالة لأن الاسم دال على المسمى ، وهذا على طريقة قوله تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى : 1 ] فإنه إذا كان التنزيه متعلقاً باسمه فتعلق التنزيه بذاته أَولى ومنه قوله تعالى : { وثيابك فطهر } [ المدثر : 4 ] على التأويل الشَّامل ، وقول عنترة :

فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه *** ليسَ الكريم على القنا بمحرم

أراد : فشككتْهُ بالرمح .

وأما قوله : { فسبح باسم ربك العظيم } [ الواقعة : 96 ] فهو يحتمل أن يكون من قبيل { فسبح بحمد ربك } [ النصر : 3 ] على أن المراد أن يقول كلاماً فيه تنزيه الله فيكون من قبيل قوله : { بسم الله الرحمن الرحيم } [ الفاتحة : 1 ] ويحتمل زيادة الباء فيكون مساوياً لقوله : { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى : 1 ] .

وهذه الكناية من دقائق الكلام كقولهم : لا يتعلق الشك بأطرافه وقول . . . :

يبيت بنجاةٍ من اللؤم بيتُها *** إذا ما بيوت بالملامة حُلّت

ونظير هذا في التنزيه أن القرآن يَقْرأ ألفاظه من ليس بمتوضىء ولا يمسك المصحف إلا المتوضىءُ عند جمهور الفقهاء .

فذكر { اسم } في قوله : { تبارك اسم ربك } مراعىً فيه أن ما عُدّد من شؤون الله تعالى ونعمه وإفضاله لا تحيط به العبارة ، فعبّر عنه بهذه المبالغة إذ هي أقصى ما تسمح به اللغة في التعبير ، ليعلم الناس أنهم محقوقون لله تعالى بشكرٍ يوازي عظم نعمه عليهم .

وفي استحضار الجلالة بعنوان ( رب ) مضافاً إلى ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما في معنى الرب من السيادة المشوبة بالرأفة والتنمية ، وإلى ما في الإضافة من التنويه بشأن المضاف إليه وإلى كون النبي صلى الله عليه وسلم هو الواسطة في حصول تلك الخيرات للذين خافوا مقام ربهم بما بلغهم النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى .

وقرأ الجمهور { ذي الجلال } بالياء مجروراً صفة ل { ربك } وهو كذلك مرسوم في غير المصحف الشامي .

وقرأه ابن عامر { ذو الجلال } صفة ل { اسم } كما في قوله : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [ الرحمن : 27 ] . وكذلك هو مرسوم في غير مصحف أهل الشام . والمعنى واحد على الاعتبارين .

ولكن إجماع القراء على رفع { ذو الجلال } الواقع موقع { ويبقى وجه ربك } واختلاف الرواية في جرّ { ذي الجلال } هنا يشعر بأن لفظ { وجه } أقوى دلالة على الذات من لفظ { اسم } لما علمت من جواز أن يكون المعنى جريان البركة على التلفظ بأسماء الله بخلاف قوله : { ويبقى وجه ربك } فذلك من حكمة إنزال القرآن على سبعة أحرف .

والجلال : العظمة ، وهو جامع لصفات الكمال اللائقة به تعالى .

والإكرام : إسداء النعمة والخير ، فهو إذن حقيق بالثناء والشكر .