{ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } أي ذي العظمة والكبرياء ، والتفضل بالآلاء و ) الاسم ) هنا كناية عن الذات العلية ، لأنه كثر اقتران الفعل المذكور معها ، كآية{[6912]} { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } ، وآية { تبارك الذي بيده الملك } {[6913]} . ونحوهما . وسر إيثار الاسم / التنبيه على أنه لا يُعرف منه تعالى إلا أسماؤه الحسنى ، لاستحالة اكتناه الذات المقدسة . فما عرف الله إلا الله . هذا هو التحقيق .
وقيل : لفظ ( اسم ) مقحم ، كقوله : {[6914]}
* إلى الحولِ ، ثم اسم السلام عليكما *
وذهب ابن حزم إلى بقاء الاسم على حقيقته . ورد من استدل بأن الاسم هو المسمى بما مثاله :
لا حجة فيما احتجوا به ، أما قول الله عز وجل { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } فحقّ . ومعنى { تبارك } تفاعل من البركة ، والبركة واجبة لاسم الله عز وجل الذي هو كلمة مؤلفة من حروف الهجاء . ونحن نتبرّك بالذكر له وبتعظيمه ونجلّه ونكرّمه ، فله التبارك وله الإجلال منا ومن الله تعالى ، وله الإكرام من الله تعالى ومنا ، حينما كان من قرطاس ، أو في شيء منقوش فيه ، أو مذكور بالألسنة . ومن لم يجلّ اسم الله عز وجل /كذلك ولا أكرمه ، فهو كافر بلا شك . فالآية على ظاهرها دون تأويل ، فبطل تعلقهم بها . انتهى كلامه رحمه الله .
فيما قاله الأئمة في سر تكرير { فبأي آلاء ربكما تكذبان } {[1]} .
قال السيوطي في ( الإتقان ) في بحث التكرير :
قد يكون التكرير غير تأكيد صناعة ، وإن كان مفيدا للتأكيد معنى . ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكريين ، فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده .
ثم قال : وجعل منه قوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } فإنها ، وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة ، فكل واحدة تتعلق بما قبلها ، ولذلك زادت على ثلاثة ، ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة ، لأن التأكيد لا يزيد عليها – قاله ابن عبد السلام وغيره – انتهى .
وفي ( عروس الأفراح ( : فإن قلت : إذا كان المراد بكل ما قبله فليس ذلك بإطناب ، بل هي ألفاظ كل أريد به غير ما أريد به الآخر .
قلت : إذا قلنا : العبرة بعموم اللفظ ، فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر ، ولكن كرر ليكون نصا فيما يليه ، ظاهرا في غيره .
قلت : والأمر كذلك ، ولا يرد عليه أن التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة ، لأن ذاك في التأكيد الذي هو تابع . أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة ، فلا يمتنع . انتهى .
وقال العز بن عبد السلام في آخر كتابه ( الإشارة إلى الإيجاز ) وأما قوله : { فبأي / آلاء ربكما تكذبان } فيجوز أن تكون مكررة على جميع أنعمه ، ويجوز أن يراد بكل واحدة منهن ما وقع بينهما وبين التي قبلها من نعمة ويجوز أن يراد بالأولى ما تقدمها من النعم ، وبالثانية ما تقدمها ، وبالثالثة ما تقدم على الأولى والثانية وبالرابعة وما تقدم على الأولى والثانية والثالثة ، وهكذا إلى آخر السورة .
فإن قيل : كيف يكون قوله : { سنفرغ لكم أيه الثقلان } نعمة ، وقوله : { يعرف المجرمون بسيماهم } نعمة ، وكذلك قوله : { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون } وقوله : { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس } وقوله : { يطوفون بينها وبين حميم آن } .
قلنا : هذه كلها نعم جسام ، لأن الله هدد العباد بها استصلاحا لهم ، ليخرجوا من حيز الكفر والطغيان والفسوق والعصيان إلى حيز الطاعة والإيمان ، والانقياد والإذعان . فإن من حذر من طريق الردى ، وبين ما فيها من الأذى ، وحث على طريق السلامة ، الموصلة إلى المثوبة والكرامة ، كان منعما غاية الإنعام ، ومحسنا غاية الإحسان . ومثل ذلك قوله :{[2]} { هذا ما وعد الرحمن } وعلى هذا تصلح فيه مناسبة الربط ، بذكر صفة الرحمة في ذلك المقام . وأما قوله :{[3]} { كل من عليها فان } فإنه تذكير بالموت والفناء ، للترغيب في الإقبال على العمل لدار البقاء ، وفي الإعراض عن دار الفناء . انتهى .
وقال البغويّ : كررت هذه الآية في أحد وثلاثين موضعا تقريرا للنعمة ، وتأكيدا للتذكير بها . ثم عدد على الخلق آلاءه ، وفصل بين كل نعمتين بما نبههم عليه ، ليفهمهم النعم ويقررهم بها . كقول الرجل لمن أحسن إليه ، وتابع إليه بالأيادي ، وهو ينكرها ويكفرها : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ، أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عريانا فكسوتك ، أفتنكر هذا ؟ ألم تكن خاملا فعززتك ، أفتنكر هذا ؟ ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب . انتهى .
/ وقال السيد مرتضى في ( الدرر والغرر ) : التكرار في سورة الرحمن ، إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعدّدة ، فكلما ذكر نعمة أنعم بها ، وبّخ على التكذيب ، كما يقول الرجل لغيره : ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال ؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا ؟ فيحسن فيه التكرير ، لاختلاف ما يقرر به ، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم ، كقول مهلهل يرثي كليبا :{[4]}
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** إذا ما ضِيمَ جيران المُجِيرِ
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** إذا رجف العِضَاهُ من الدَّبُورِ
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** إذا خَرَجَتْ مُخَبَّأَةُ الخُدُوِر
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** إذا ما أُعِْلنَتْ نجوى الأمور
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** إذا خِيفَ المَخُوفُ من الثغور
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** غداة تَلَاتِلَ الأمر الكبير
على أن ليس عدلا من كُلَيْبٍ *** إذا ما خار جار المستجير
ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط ، وهو من لطائف العرب ، فاعرفه .
وقال شيخ الإسلام في ( متشابه القرآن ) : ذكرت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة ، ثمانية منها ذكرت عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله ، وبدائع صنعه ، ومبدأ الخلق ومعادهم . ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها ، بعدد أبواب جهنم ، وحسن ذكر الآلاء عقبها ، لأن من جملة الآلاء ، رفع البلاء ، وتأخير العقاب . وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلهما ، بعدد أبواب الجنة ، وثمانية أخرى بعدها في الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأوليين ، أخذا من قوله : { ومن دونهما جنتان } . فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق هاتين الثمانيتين من الله ، ووقاه السبعة السابقة . انتهى .
اللهم زدنا اطلاعا على لطائف قرآنك الكريم ، وغوصا على لآلىء فرقانك العظيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.