نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ولما دل ما ذكر في هذه السورة من النعم على إحاطة مبدعها بأوصاف الكمال ، ودل بالإشارة بالنعمة الأخيرة على أن نعمه لا نهاية لها لأنه مع أن له الكمال كله متعال عن شائبة نقص ، فكانت ترجمة ذلك قوله في ختام نعم الآخرة مناظرة لما تقدم من ختام نعم الدنيا معبراً هناك بالبقاء لما ذكر قبله ، من الفناء ، وهذا بما{[62047]} من البركة{[62048]} إشارة إلى أن نعمه لا انقضاء لها{[62049]} : { تبارك } قال ابن برجان : تفاعل من البركة ، ولا يكاد يذكره جل ذكره إلا عند أمر معجب - انتهى ، ومعناه ثبت ثباتاً لا يسع العقول جمع وصفه لكونه على صيغه المفاعلة المفيدة لبذل الجهد إذا كانت ممن تمكن منازعته ، وذلك مع اليمن والبركة والإحسان . ولما كان تعظيم الاسم أقعد وأبلغ في تعظيم المسمى قال : { اسم ربك } أي المحسن إليك بإنزال هذا القرآن الذي جبلك على متابعته فصرت مظهراً له وصار خلقاً لك فصار إحسانه إليك فوق الوصف ، ولذلك قال واصفاً للرب في قراءة الجمهور : { ذي الجلال } أي العظمة الباهرة فهو المنتقم من الأعداء { والإكرام * } أي الإحسان الذي لا يمكن الإحاطة به فهو المتصف بالجمال الأقدس المقتضي لفيض الرحمة على جميع الأولياء ، وقراءة ابن عامر { ذو } صفة للاسم ، وكذا هو في مصاحف أهل الشام ، والوصفان الأخيران من شبه الاحتباك حذف من الأول متعلق الصفة وهو النقمة للأعداء ، ومن الثاني أثر الإكرام وهو الرحمة للأولياء ، فإثبات الصفة أولاً يدل على حذف ضدها ثانياً ، وإثبات الفعل ثانياً يدل على حذف ضده أولاً ، وقال الرازي {[62050]}في اللوامع{[62051]} : كأنه يريد بالاسم الذي افتتح به السورة وقد انعطف آخر السورة على أولها{[62052]} على وجه أعم ، فيشمل الإكرام بتعليم القرآن وغيره والانتقام بإدخال النيران وغيرها - الله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب .

ختام السورة:

وقد انعطف آخر السورة على أولها على وجه أعم ، فيشمل الإكرام بتعليم القرآن وغيره والانتقام بإدخال النيران وغيرها - الله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب .


[62047]:- زيد من ظ.
[62048]:- زيد في الأصل: ولا يكاد، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62049]:- راجع نثر المرجان 7/ 161.
[62050]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62051]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62052]:- من ظ، وفي الأصل: أول السورة على آخرها.