السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ولما دلّ ما ذكر في هذه السورة من النعم على إحاطة مبدعها بأوصاف الكمال وختم نعم الدنيا بقوله تعالى : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [ الرحمن : 27 ] وفيه إشارة إلى أنّ الباقي هو الله تعالى وأنّ الدنيا فانية ختم نعيم الآخرة بقوله عز من قائل : { تبارك } قال ابن برّجان : تفاعل من البركة ولا يكاد يذكره جل ذكره إلا عند أمر معجب ا . ه . ومعناه ثبت ثباتاً لا تسع العقول وصفه .

ولما كان تعظيم الاسم أبلغ في تعظيم المسمى قال تعالى : { اسم ربك } أي : المحسن إليك بإنزال هذا القرآن الذي جبلك على متابعته فصرت مظهراً له وصار خلقاً لك فصار إحسانه إليك فوق الوصف ؛ وقيل : لفظ اسم زائد وجرى عليه الجلال المحلي والأوّل أولى .

{ ذي الجلال } أي : العظمة الباهرة { والإكرام } قال القرطبي : كأنه يريد به الاسم الذي افتتح به السورة ، فقال : { الرحمن } فافتتح بهذا الاسم فوصف خلق الإنسان والجنّ ، وخلق السماوات والأرض وصنعه ؛ وأنه تعالى كل يوم هو في شان ، ووصف تدبيره فيهم ؛ ثم وصف يوم القيامة ، وأهوالها ، وصفة النار ، ثم ختمها بصفة الجنان .

ثم قال في آخر الصفة { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } أي : هذا لاسم الذي افتتح به هذه السورة ، كأنه يعلمهم أنّ هذا كله خرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم ، وخلقت لكم السماء والأرض والخليقة والجنة والنار فهذا كله لكم من اسم الرحمن فمدح اسمه فقال تعالى : { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } أي : جليل في ذاته كريم في أفعاله وقرأ ابن عامر : بالواو رفعاً صفة للاسم والباقون بالياء خفضاً صفة لرب ، فإنه هو الموصوف بذلك .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن علي أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن جلّ ذكره » . وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري : من أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله عليه » حديث موضوع .