اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

قوله : { تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام } .

قرأ ابن{[26]} عامر : «ذُو الجلالِ » بالواو ، جعله تابعاً للاسم ، وكذا هي مرسومة في مصاحف الشَّاميين .

قال القرطبي{[27]} : «وذلك يقوي كون الاسم هو المسمّى » .

والباقون : بالياء ، صفة للربّ ، فإنه هو الموصوف بذلك ، وأجمعوا على أن الواو في الأولى إلا من استثنى فيما تقدم .

فصل في تحرير معنى تبارك

«تبارك » تفاعل من «البركة » .

قال ابن الخطيب{[28]} : وأصل التَّبارك من التَّبرك ، وهو الدوام والثبات ، ومنه برك البعير وبركة الماء ، فإن الماء يكون فيها دائماً .

والمعنى : دام اسمه وثبت ، أو دام الخير عنده ؛ لأن البركة وإن كانت من الثبات ، لكنها تستعمل في الخير ، أو يكون معناه : علا وارتفع شأنه .

فصل في مناسبة هذه الآية لما قبلها

قال القرطبي{[29]} : كأنه يريد به الاسم الذي افتتح به السُّورة ، فقال : «الرحمان » فافتتح بهذا الاسم ، فوصف خلق الإنسان والجن ، وخلق السماوات والأرض وصنعه ، وأنه { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ووصف تدبيره فيهم ، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها وصفة النار ، ثم ختمها بصفة الجنان ، ثم قال في آخر السورة : { تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام } أي : هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة ، كأنه يعلمهم أن هذا كله فرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم ، وخلقت لكم السماء والأرض ، والخليقة ، والخلق ، والجنة والنَّار ، فهذا كله لكم من اسم الرحمان ، فمدح اسمه فقال : { تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ } ، ثم قال : { ذِي الجلال والإكرام } أي : جليل في ذاته كريم في أفعاله .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن علي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لِكُلِّ شَيءٍ عروسٌ ، وعرُوسُ القرآنِ سُورةُ الرحمان ، جل ذكرهُ »{[1]} .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورة الرحمان رحِمَ الله ضعفهُ ، وأدَّى شُكْرَ مَا أنْعَمَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - عليه »{[2]} .

والله - سبحانه وتعالى - الموفق الهادي إلى الخيرات ، اللهم ارحمنا برحمتك .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[26]:تقدمت.
[27]:سقط في أ.
[28]:سقط في أ.
[29]:ينظر: المشكل 1/123.