وقوله - تعالى - : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ } أي : وإن هذا الإِنسان لشديد الحب لجمع المال ، ولكسبه من مختلف الوجوه ، بدون تفرقة - فى كثير من الأحيان - بين الحلال والحرام ، ولكنزه والتكثر منه ، وبالبخل به على من يستحقه .
وصدق الله إذ يقول : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق وَكَانَ الإنسان قَتُوراً }
وقوله : { وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } يقول تعالى ذكره : وإن الإنسان لحبّ المال لشديد .
واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدّة لحبّ المال ، فقال بعض البصريين : معنى ذلك : وإنه من أجل حبّ الخير لشديد : أي لبخيل ، قال : يقال للبخيل : شديد ومتشدّد . واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طَرَفة بن العبد اليشكري :
أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النّفُوسَ ويَصْطَفِي *** عَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَدّدِ
وقال آخرون : معناه : وإنه لحبّ الخير لقويّ .
وقال بعض نحوييّ الكوفة : كان موضع ( لحُبّ ) أن يكون بعد شديد ، وأن يضاف شديد إليه ، فيكون الكلام : وإنه لشديد حُبّ الخير ، فلما تقدّم الحبّ في الكلام ، قيل : شديد ، وحذف من آخره ، لما جرى ذكره في أوّله ، ولرؤوس الآيات ، قال : ومثله في سورة إبراهيم : { كَرَمادٍ اشْتَدّتْ بهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ } والعَصوف لا يكون لليوم ، إنما يكون للريح ، فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح ، والله أعلم ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشدِيدٌ } قال : الخير : الدنيا ، وقرأ : { إنْ تَرَك خَيْرا الوَصِيّةُ } قال : فقلت له : إن ترك خيرا : المال ؟ قال : نعم ، وأيّ شيء هو إلا المال ؟ قال : وعسى أن يكون حراما ، ولكن الناس يعدّونه خيرا ، فسماه الله خيرا ؛ لأن الناس يسمونه خيرا في الدنيا ، وعسى أن يكون خبيثا ، وسُمّي القتال في سبيل الله سُوءا ، وقرأ قول الله : { فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } قال : لم يمسهم قتال . قال : وليس هو عند الله بسوء ، ولكن يسمونه سوءا .
وتأويل الكلام : إن الإنسان لربه لكنود ، وإنه لحبّ الخير لشديد ، وإن الله على ذلك من أمره لشاهد . ولكن قوله : { وَإنّهُ عَلى ذِلكَ لَشَهِيدٌ } قدّم ، ومعناه التأخير ، فجعل معترضا بين قوله : { إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ } ، وبين قوله : { وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة { إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ وإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ } قال : هذا في مقاديم الكلام ، قال : يقول : إن الله لشهيد أن الإنسان لحبّ الخير لشديد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.