اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير } . اللام متعلقة ب «شديد » ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنها المعدية ، والمعنى : وإنه لقوي مطيق لحب الخير ، أي : المال ، يقال : هو شديد لهذا الأمر ، أي : مطيق له ، ويقال : لشديد : أي : بخيل ، ويقال للبخيل : شديد ومتشدِّد ؛ قال طرفة : [ الطويل ]

5285- أرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي*** عَقِيلةَ مَالِ الفَاحشِ المُتَشَددِ{[60725]}

يقال : اعتامه واعتماه : أي : اختاره ، والفاحش : البخيل أيضاً ؛ قال تعالى : { وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } [ البقرة : 268 ] أي : البخل .

قال ابن زيد : سمى الله المال خيراً ، وعسى أن يكون شراً وخيراً ، ولكن الناس يعدونه خيراً ، فسماه الله تعالى خيراً لذلك ، قال تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } [ البقرة : 180 ] وسمى الجهاد سوءاً ، فقال : { فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سوء } [ آل عمران : 174 ] على ما يسميه الناس{[60726]} .

الثاني : أن «اللام » للعلة ، أي : وإنه لأجل حبِّ المالِ لبخيل .

وقيل : «اللام » بمعنى «على » .

وقال الفراءُ : أصل نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحب للخير ، فلما قدم الحب قال : «لشديد » ، وحذف من آخره ذكر الحب ؛ لأنه قد جرى ذكره ، لرءوس الآي ، كقوله تعالى : { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [ إبراهيم : 18 ] والعصوف : للريح لا للأيام ، فلما جرى ذكرُ الرِّيحِ قبل اليوم ، طرح من آخره ذكر الريح ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح .


[60725]:ينظر ديوانه ص 34، وابن الشجري 1/111، والكشاف 4/788، والكامل 1/360، والطبري 3/180، ومجمع البيان 10/805، والبحر 8/502، والدر المصون 6/561.
[60726]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (30/110).