الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

{ وَإِنَّهُ } يعني الإنسان { لِحُبِّ الْخَيْرِ } أي المال .

وقال ابن زيد : سمّى اللّه المال خيراً وعسى أن يكون خبيثاً وحراماً ، ولكن الناس يعدّونه خيراً فسمّاه اللّه خيراً ؛ لأن الناس يسمّونه خيراً ، وسمي الجهاد سوءاً فقال : { فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } [ آل عمران : 174 ] أي قتال ، وليس هو عند اللّه بسوء ولكن سمّاه اللّه سوءاً ؛ لأنّ الناس يسمّونه سوءاً .

ومعنى الآية وإنه من أجل حبّ المال { لَشَدِيدٌ } بخيل ، ويقال للبخيل : شديد ومتشدّد ، قال طرفة :

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشدّد

والفاحش : البخيل أيضاً ، قال اللّه سبحانه : { وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ } [ البقرة : 268 ] أي البخل . وقيل : معناه : وإنّه لحب الخير لقويّ . وقال الفرّاء : كان موضع الحب أن يكون بعد شديد ، وأن يضاف شديد إليه ، فيقال : وإنّه لشديد الحبّ للخير ، فلمّا يقدم الحبّ قبل شديد ، وحذف من آخره لمّا جرى ذكره في أوله ، ولرؤوس الآيات ، كقوله سبحانه :

{ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [ إبراهيم : 18 ] والعصوف لا يكون للأيّام ، إنّما يكون للريح ، فلمّا جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره ، كأنه قيل : في يوم عاصف الريح .