قوله تعالى : { ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً } ، أي : على الوحي وتبليغ الرسالة ، كناية عن غير مذكور ، { إن أجري } ، ما ثوابي ، { إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا } ، هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين ، { إنهم ملاقوا ربهم } ، أي : صائرون إلى ربهم في المعاد فيجزي من طردهم . { ولكني أراكم قوما تجهلون }
ثم وجه نوح - عليه السلام - نداء ثانيا إلى قومه زيادة في التلطف معهم ، وطمعا فى إثارة وجدانهم نحو الحق فقال : { ويا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } .
أى : لا أطلب منكم شيئا من المال فى مقابل تبليغ ما أمرنى ربى بتبليغه إليكم : لأن طلبى هذا قد يجعلكم تتوهمون أنى محب للمال .
{ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله } - تعالى وحده ، فهو الذى يثيبنى على دعوتى إلى عبادتكم له ، وفى هذه الجملة إشارة إلى أنه لا يسأل الله - تعالى - مالا ، وإنما يسأله ثوابا ، إذ ثواب الله يسمى أجرا ، لأنه جزاء على العمل الصالح .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الشعراء : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين } وجملة { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا } معطوفة على جملة { لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } لأن مضمونها كالنتيجة لمضمون المعطوف عليها ، إذ أن زهده فى مالهم يقتضى تمسكه بأتباعه المؤمنين .
الطرد : الأمر بالبعد عن مكان الحضور تحقيرا أو زجرا .
أى : وما أنا بطارد الذين آمنوا بدعوتى ، سواء أكانوا من الفقراء أم من الأغنياء ، لأن من استغنى عن مال الناس وعطائهم لا يقيسهم بمقياس الغنى والجاه والقوة . . . وإنما يقيسهم بمقياس الإِيمان والتقوى .
قال الآلوسى : والمروى عن ابن جريح أنهم قالوا له : " يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطرد هؤلاء الأراذل - وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم فى الأمر سواء .
وذلك كما قال زعماء قريش للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى شأن فقراء الصحابة : اطرد هؤلاء عن مجلسك ونحن نتبعك فإنا نستحى أن نجلس معهم فى مجلسك . . . "
وجملة { إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ } تعليل لنفى طردهم .
أى : لن أطردهم عن مجلسى أبدا ، لأنهم قد آمنوا بى ، ولأن مصيرهم إلى الله - تعالى - ، فيحاسبهم على سرهم وعلنهم ، أما أنا فأكتفى منهم بظواهرهم التى تدل على صدق إيمانهم ، وشدة إخلاصهم .
وجاءت هذه الجملة بصيغة التأكيد ، لأن الملأ الذين كفروا من قومه كانوا ينكرون البعث والحساب .
وقوله : { ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } استدراك مؤكد لمضمون ما قبله .
أى : لن اطردهم ، لأن ذلك ليس من حقى بعد أن آمنوا ، وبعد أن تكفل الله بمحاسبتهم ولكنى مع هذا البيان المنطقى الواضح ، أراكم قوما تجهلون القيم الحقيقية التى يقدر بها الناس عند الله ، وتجهلون أن مرد الناس جميعا إليه وحده - سبحانه - ليحاسبهم على أعمالهم ، وتتطاولون على المؤمنين تطاولا يدل على طغيانكم وسفاهتكم .
وحذف مفعول { تَجْهَلُونَ } للعلم به ، وللإِشارة إلى شدة جهلهم .
( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ، إن أجري إلا على الله ، وما أنا بطارد الذين آمنوا ، إنهم ملاقو ربهم ، ولكني أراكم قوما تجهلون ) .
يا قوم إن الذين تدعونهم أراذل قد دعوتهم فآمنوا ، وليس لي عند الناس إلا أن يؤمنوا . إنني لا أطلب مالا على الدعوة ، حتى أكون حفيا بالأثرياء غير حفي بالفقراء ؛ فالناس كلهم عندي سواء . . ومن يستغن عن مال الناس يتساو عنده الفقراء والأغنياء . .
( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) . .
ونفهم من هذا الرد أنهم طلبوا أو لوحوا له بطردهم من حوله ، حتى يفكروا هم في الإيمان به ، لأنهم يستنكفون أن يلتقوا عنده بالأراذل ، أو أن يكونوا وإياهم على طريق واحد ! - لست بطاردهم ، فهذا لا يكون مني . لقد آمنوا وأمرهم بعد ذلك إلى الله لا لي :
إنهم ملاقوا ربهم . . ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) . .
تجهلون القيم الحقيقية التي يقدر بها الناس في ميزان الله . وتجهلون أن مرد الناس كلهم إلى الله .
وقوله { يا قوم لا أسألكم عليه مالاً } الآية ؛ الضمير في { عليه } عائد على التبليغ .
وقوله : { وما أنا بطارد الذين آمنوا } يقتضي أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء الذين بادروا إلى الإيمان به نظير ما اقترحت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرد تباعه بمكة الذين لم يكونوا من قريش .
وقوله : { إنهم ملاقوا ربهم } تنبيه على العودة إلى الله ولقاء جزائه المعنى ، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد . ثم وصفهم بالجهل في مثل هذا الاقتراح ونحوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.