معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

قوله تعالى : { لله ملك السماوات والأرض } له التصرف فيهما بما يريد ، { يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً } فلا يكون له ولد ذكر ، قيل : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، لأن الله تعالى بدأ بالإناث ، { ويهب لمن يشاء الذكور } فلا يكون له أنثى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحديث عن مظاهر قدرته التى لا يعجزها شئ ، وعن نفاذ مشيئته وحكمته ، وعن فضله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث أوحى إليه بما أوحى ، من هدايات للناس . فقال - تعالى - : { لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض . . . إِلَى الله تَصِيرُ الأمور } .

وقوله - تعالى - { لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ . . } بيان لكمال قدرته - سبحانه - ، ولنفاذ مشيئته . والملك - بضم الميم - الاستيلاء على الشئ والتمكن من التصرف فيه .

أى : لله - تعالى - وحده ملك جميع ما فى السماوات والأرض ، وليس لأحد معه شئ لا اشتراكا ولا استقلالا ، وهو - سبحانه - " يخلق ما يشاء " أن يخلقه ، من غير أن يكون لأحد وصاية عليه ، أو اختيار لشئ معين . .

ثم فصل - سبحانه - بعض مظاهر هذه القدرة التامة ، والإِرادة النافذة فقال : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } فهذه الجملة الكريمة بدل مفصل من مجمل ، أو بدل بعض من كل . وأحوال الناس بالنسبة للذرية لا تخلو عن هذه الأقسام الأربعة فهو - سبحانه - إما أن يهب لمن يشاء من عباده إناثا لا ذكور معهن ، وإما أن يهب لهم ذكورا لا إناث معهن ،

وإما أن يهب لبعضهم الإِناث والذكور معا وهذا معنى قوله - تعالى - { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } إذ التزويج معناه الجمع بين البنين والبنات .

وإما أن يجعل بعضهم عقيما ، أى : لا ذرية له ، ذكرا كان أو أنثى . يقال رجل عقيم وامرأة عقيم ، إذا كانا لا ذرية لهما .

وهذه الأحوال الأربعة كلها مشاهدة فى حياة الناس ، فمنهم من معه الإِناث فقط ، ومنهم من معه الذكور فقط ومنهم من معه الذكور والإِناث ومنهم من ليس معه منهما شئ وهذا كله يدل على كمال قدرته - سبحانه - ، وعلى نفاذ إرادته وحكمته ، إذ أعطى من يشاء إعطاءه بفضله ، ومنع من يشاء منعه لحكمة يعلمها ، لاراد لقضائه ، ولا معقب لحكمه .

فالآية الكريمة مسوقة لبيان أن العطاء والمنع بيد الله - تعالى - وحده ، وأن أحوال البشر بالنسبة للذرية خاضعة لمشييئته وحده ، وهو - سبحانه - يقدرها وفق علمه وإرادته وحكمته ؛ ليس لأحد مدخل فى اختيار نوع معين من الذرية ، وليس عند أحد القدرة على إنجاب شئ منها ، إذا أراد الله منعه من ذلك .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه : " فإن قلت : لم قدم الإِناث أولا على الذكور مع تقدمهم عليهن ، ثمرجع فقدمهم ؟ ولم عرف الذكور بعدما نكر الإِناث " .

قلت : قدم الإِناث لبيان أنه - سبحانه - يفعل ما يشاء ، لا ما يشاءه الإِنسان ، فكان ذكر الإِناث اللاتى من جملة ما لا يشاؤه الإِنسان أهم ، والأهم واجب التقديم . .

وأخر - سبحانه - الذكور ، فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم ، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم ، لأن التعريف تنويه وتشهير ، فكأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ، ثم أعطى بذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير ، وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ، ولكن لمقتض آخر ، فقال : { ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } .

وقوله - تعالى - { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } تذييل قصد به تأكيد قدرته وحكمته . أى : إنه - سبحانه - واسع العلم بأحوال عباده وبما يصلحهم ، قدير على كل شئ ، فهو يفعل ما يفعله عن قدرة واختيار ، لا مكره له ولا معقب لحكمه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

ويعقب على هذا بأن نصيب هذا الإنسان من السراء والضراء ومن العطاء والحرمان كله بيد الله . فما لهذا الإنسان المحب للخير الجزوع من الشر ، يبعد عن الله المالك لأمره في جميع الأحوال :

( لله ملك السماوات والأرض ، يخلق ما يشاء ، يهب لمن يشاء إناثاً ، ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ، ويجعل من يشاء عقيماً ، إنه عليم قدير ) . .

والذرية مظهر من مظاهر المنح والمنع والعطاء والحرمان ؛ وهي قريبة من نفس الإنسان ؛ والنفس شديدة الحساسية بها . فلمسها من هذا الجانب أقوى وأعمق . وقد سبق في السورة حديث عن الرزق بسطه وقبضه . فهذه تكملة في الرزق بالذرية . وهي رزق من عند الله كالمال .

والتقديم بأن لله ملك السماوات والأرض هو التقديم المناسب لكل جزئية بعد ذلك من توابع هذا الملك العام . وكذلك ذكر : ( يخلق ما يشاء ) . . فهي توكيد للإيحاء النفسي المطلوب في هذا الموضع . ورد الإنسان ، المحب للخير ، إلى الله الذي يخلق ما يشاء مما يسرّ وما يسوء ومن عطاء أو حرمان .

ثم يفصل حالات العطاء والحرمان : فهو يهب لمن يشاء إناثاً [ وهم كانوا يكرهون الإناث ] ويهب لمن يشاء الذكور .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

الآية الأولى آية اعتبار دال على القدرة والملك المحيط بالجميع ، وأن مشيئته تبارك وتعالى نافذة في جميع خلقه وفي كل أمرهم ، وهذا لا مدخل لصنم فيه ، فإن الذي يخلق ما يشاء ويخترع ، فإنما هو الله تبارك وتعالى ، وهو الذي يقسم الخلق فيهب الإناث لمن يشاء ، أي يجعل بنيه{[10170]} نساء ، ويهب الذكور لمن يشاء على هذا الحد .


[10170]:في بعض النسخ: "أن يجعل بنيه نساء".