تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

الآية 49 وقوله تعالى : { لله ملك السماوات والأرض } يُخبر أنه بما يأمرهم ، وينهاهم ، وبما يمتحنهم بأنواع المحن ، ليس يأمرهم [ ولا ينهاهم ، ولا يمتحنهم لحاجة ]{[18798]} نفسه في جر منفعة واستفادة خير أو دفع مضرّة أو بلاء ؛ إذ له ملك السماوات والأرض . ولكن إنما يأمرهم ، وينهاهم ، ويمتحنهم لحاجة أنفسهم في إصلاحها وفكاكِها{[18799]} ونجاتها من المهالك ، وهو كقوله : { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غنيّ كريم } [ النمل : 40 ] يخبر بما ذكر أنه غنيّ ، لا ينفعه إيمان مؤمن ، ولا يزيد في ملكه ، ولا يضره كُفر كافر ، لا يُنقِص من ملكه .

ويحتمل أن يكون قوله : { لله ملك السماوات والأرض } كقوله : { قل اللهم مالك الملك } الآية [ آل عمران : 26 ] ويحتمل أن يقول : { لله ملك السماوات والأرض } أي هو يُؤتي الملك من [ يشاء ]{[18800]} له الملك في الدنيا ، وهو ينزع ممن يشاء على ما ذكر في آية أخرى { تُؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء } الآية [ آل عمران : 26 ] . وفيه نقض [ قول ]{[18801]} المعتزلة في خلق أفعال منهم وإنكارهم أن يكون فعل الله تعالى مخافة وقوع الشرك في ذلك بينهم وبين الله تعالى ، فيكون ذلك فعل الله تعالى وفعل العبد ؛ إذ هو تفسير الشركة في الشاهد ، فيقال لهم : إن الله تعالى قال : { لله ملك السماوات والأرض } وقال في آية أخرى { ولم يكن له شريك في الملك } [ الإسراء : 111 ] أخبر أن ليس له شريك في الملك . وقد رأينا الملوك في الدنيا .

ثم لم يوجب مُلك الشّركة في ملكه لاختلاف المعنى والجهات ؛ إذ حقيقة المُلك له ، ولغيره ليست حقيقة{[18802]} ، إنما له ملك الانتفاع لا على الإطلاق .

فعلى ذلك أفعال العباد [ تكون خلق الله تعالى وكسبا لهم ، ولا يوجب ذلك شركا فيه على ما لم يوجب ذكرنا من المُلك لهم شركا بينهم وبين الله تعالى ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { يخلق ما يشاء } هو أيضا على المعتزلة لأنه أخبر أنه يخلق ما يشاء ، وهم يقولون بأن جميع الخيرات مما شاء الله ، ثم لا يجعلون ما فعل العباد ]{[18803]} من الخيرات خلقا لله تعالى . فيكون على قولهم غير خالق لأكثر الأشياء مما شاء . وهذا لأن قوله : { يخلق ما يشاء } إما أن يخرّج على الوصف بالرّبوبية لله تعالى والألوهية [ وإما ]{[18804]} على وجه الوعد والخبر{[18805]} بأنه يخلُق ما يشاء .

فإن كان على الوصف له بالربوبية ؛ فلا يكون ذلك وصف الرّبوبية ؛ إذ لا يكون خالقا لجزء من عشرة آلاف من الأشياء التي شاء أن يخلُقها .

وإن كان على الوعد والخبر فيخرج الخبر كذبا على قولهم . فنعوذ بالله تعالى من السّرف في القول ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور } يُخبر تعالى أن الأولاد جميعا من الذكور والإناث مواهب الله تعالى وهداياه ، يجب أن يقبلوها منه قبول الهدايا والهبات على الشكر له والمِنّة . ثم بدأ بذكر الإناث ثم بالذكور لأن من الناس من إذا وُلد له الإناث يعد ذلك{[18806]} مصيبة ، ويثقُل عليه . وعلى ذلك ما أخبر من الكفرة أنهم إذا بُشّروا بالأنثى ظلّت وجوههم مسودّة كقوله{[18807]} تعالى : { وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًّا وهو كظيم } [ النحل : 58 ] يخبر عن ثقل ذلك عليهم وغيظهم على ذلك . فبدأ بذكر ذلك لئلا يعدّ أهل الإسلام الأولاد{[18808]} الإناث مصيبة وبلاء على ما عدّها الكفرة ، والله أعلم .


[18798]:في الأصل وم: لا نهى ولا يمتحن بحاجة.
[18799]:من م، في الأصل: ونكاحها.
[18800]:ساقطة من الأصل وم.
[18801]:ساقطة من الأصل وم.
[18802]:أدرج بعدها في الأصل وم: الملك.
[18803]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[18804]:في الأصل وم: أو.
[18805]:من م، في الأصل: هو الخبر.
[18806]:أدرجت في الأصل وم بعد: ويثقل.
[18807]:في الأصل وم: بقوله.
[18808]:في الأصل وم: أولاد.