الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدّها : أتبع ذلك أنّ له الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ، ويهب لعباده من الأولاد ما تقتضيه مشيئته ، فيخص بعضاً بالإناث وبعضاً بالذكور ، وبعضاً بالصنفين جميعاً ، ويعقم آخرين فلا يهب لهم ولداً قط .

فإن قلت : لم قدّم الإناث أوّلاً على الذكور مع تقدّمهم عليهنّ ، ثم رجع فقدّمهم ، ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث ؟ قلت : لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده ، ثم عقبه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد ، فقدم الإناث لأنّ سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم ، والأهم واجب التقديم ، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء ، وأخر الذكور فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم ، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم ؛ لأن التعريف تنويه وتشهير ، كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير ، وعرّف أن تقديمهنّ لم يكن لتقدمهنّ ، ولكن لمقتض آخر .