الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

فيه أربع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " لله ملك السماوات والأرض " ابتداء وخبر . " يخلق ما يشاء " من الخلق . " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " قال أبو عبيدة وأبو مالك ومجاهد والحسن والضحاك : يهب لمن يشاء إناثا لا ذكور معهن ، ويهب لمن يشاء ذكورا لا إناثا معهم ، وأدخل الألف واللام على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف . وقال واثلة بن الأسقع : إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، وذلك أن الله تعالى قال : " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " فبدأ بالإناث . " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " قال مجاهد : هو أن تلد المرأة غلاما ثم تلد جارية ثم تلد غلاما ثم تلد جارية . وقال محمد ابن الحنفية : هو أن تلد توأما ، غلاما وجارية ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا . قال القتبي : التزويج ها هنا هو الجمع ببن البنين والبنات ، تقول العرب : زوجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار . " ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير " أي لا يولد له ، يقال : رجل عقيم ، وامرأة عقيم . وعقمت المرأة تعقم عقما ، مثل حمد يحمد . وعقمت تعقيم ، مثل عظم يعظم . وأصله القطع ، ومنه الملك العقيم ، أي تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق خوفا على الملك . وريح عقيم ، أي لا تلقح سحابا ولا شجرا . ويوم القيامة يوم عقيم ؛ لأنه لا يوم بعده . ويقال : نساء عقم وعقم ، قال الشاعر{[13549]} :

عقم النساءُ فما يَلِدْنَ شَبِيهَهُ *** إن النِّساءَ بمثله عُقْمُ

وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في الأنبياء خصوصا وإن عم حكمها . وهب للوط الإناث ليس معهن ذكر ، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى ، ووهب لإسماعيل وإسحاق الذكور والإناث ، وجعل عيسى ويحيى عقيمين ، ونحوه عن ابن عباس وإسحاق بن بشر . قال إسحاق : نزلت في الأنبياء ، ثم عمت . " يهب لمن يشاء إناثا " يعني لوطا عليه السلام ، لم يولد له ذكر وإنما ولد له ابنتان . " ويهب لمن يشاء الذكور " يعني إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى ، بل ولد له ثمانية ذكور .


[13549]:في لسان العرب:" قال أبو دهبل يمدح عبد الله بن الأزرق المخزومي. وقيل هو للحزين الليثي".