معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} (101)

ثم استثنى فقال :{ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال بعض أهل العلم ( إن ) هاهنا بمعنى : إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى ، يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة ، { أولئك عنها مبعدون } قيل : الآية عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة . وقال أكثر المفسرين : عنى بذلك كل من عبد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره ، وذلك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها } الآيات الثلاثة ، ثم قام فأقبل عبد الله الزبعري السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته ، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعري : أأنت قلت : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ؟ قال : نعم ، قال : أليست اليهود تعبد عزيراً والنصارى تعبد المسيح ، وبنو مليح يعبدون الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل هم يعبدون الشياطين فأنزل الله عز وجل : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } ، يعني : عزيراً والمسيح والملائكة ، { أولئك عنها مبعدون } وأنزل في ابن الزبعري : ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام ، لأن الله تعالى قال : ( وما تعبدون من دون الله ) ولو أراد به الملائكة والناس لقال ومن تعبدون من دون الله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} (101)

وبعد هذا الحديث الذى ترتجف له القلوب . . . أتبع القرآن ذلك بحديث آخر تسر له النفوس ، وتنشرح له الصدور ، فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين . . . } .

الحسنى : تأنيث الأحسن ، وهى صفة لموصوف محذوف .

أى : إن الذين سبقت لهم منا فى دنياهم المنزلة الحسنى بسبب إيمانهم الخالص وعملهم الصالح ، وقولهم الطيب .

{ أولئك } المصوفون بتلك الصفات الحميدة { عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أى : عن النار وحرها وسعيرها . . . مبعدون إبعادا تاما بفضل الله - تعالى - ورحمته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} (101)

93

وندع هؤلاء لنجد المؤمنين في نجوة من هذا كله ، قد سبقت لهم الحسنى من الله ، وقدر لهم الفوز والنجاة :

( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} (101)

وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } : قال عكرمة : الرحمة . وقال غيره : السعادة ، { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله ، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسُله{[19890]} ، وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا ، كما قال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] : وقال { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] ، فكما أحسنوا العمل في الدنيا ، أحسن الله مآلهم وثوابهم ، فنجاهم من العذاب ، وحَصَل{[19891]} لهم جزيل الثواب ، فقال : { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ .

/خ102


[19890]:- في ت : "ورسوله".
[19891]:- في ت : "وجعل".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} (101)

جملة { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً دعا إليه مقابلة حكاية حال الكافرين وما يقال لهم يوم القيامة بحكاية ما يلقاه الذين آمنوا يوم القيامة وما يقال لهم . فالذين سبقت لهم الحسنى هم الفريق المقابل لفريق القرية التي سبق في علم الله إهلاكها ، ولما كان فريق القرية هم المشركين فالفريق المقابل له هم المؤمنون . ولا علاقة لهذه الجملة بجملة { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء : 98 ] ولا هي مخصصة لعموم قوله تعالى : { وما تعبدون من دون الله } بل قوله تعالى : { والذين سبقت لهم منا الحسنى } عام يعم كل مؤمن مات على الإيمان والعمل الصالح .

والسبق ، حقيقته : تجاوز الغير في السير إلى مكان معين ، ومنه سباق الخيل ، واستعمل هنا مجازاً في ثبوت الأمن في الماضي ، يقال كان هذا في العصور السابقة ، أي التي مضت أزمانها لما بين السبق وبين التقدم من الملازمة ، أي الذين حصلت لهم الحسنى في الدنيا ، أي حصل لهم الإيمان والعمل الصالح من الله ، أي بتوفيقه وتقديره ، كما حصل الإهلاك لأضدادهم بما قدر لهم من الخذلان .

والحسنى : الحالة الحسنة في الدين ، قال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [ يونس : 26 ] أو الموعدة الحسنى ، أي تقرّرَ وعد الله إياهم بالمعاملة الحسنى . وتقدم في سورة يونس .

وذِكر الموصول في تعريفهم لأن الموصول للإيماء إلى أن سبب فوزهم هو سبق تقدير الهداية لهم . وذِكر اسم الإشارة بعد ذلك لتمييزهم بتلك الحالة الحسنة ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما يذكر بعد اسم الإشارة من أجل ما تقدم على اسم الإشارة من الأوصاف ، وهو سبق الحسنى من الله .

واختير اسم إشارة البعيد للإيماء إلى رفعة منزلتهم ، والرفعةُ تشبه بالبعد .