إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} (101)

{ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى } شروعٌ في بيان حال المؤمنين إثرَ شرح حالِ الكفرة حسبما جرت به سنةُ التنزيل من شفْع الوعد بالوعيد وإيرادِ الترغيب مع الترهيب ، أي سبقت لهم منا في التقدير الخَصلةُ الحسنى التي هي أحسنُ الخصال وهي السعادةُ ، وقيل : التوفيقُ للطاعة أو سبقت لهم كلمتُنا بالبشرى بالثواب على الطاعة وهو الأدخلُ الأظهرُ في الحمل عليها لما أن الأولَين مع خفائهما ليسا من مقدورات المكلفين ، فالجملةُ مع ما بعدها تفصيلٌ لما أُجمل في قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتبون } كما أن ما قبلها من قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } الخ ، تفصيلٌ لما أُجمل في قوله تعالى : { وَحَرَامٌ } الخ { أولئك } إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتهم وبُعد منزلتِهم في الشرف والفضل ، أي أولئك المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل { عَنْهَا } أي عن جهنم { مُبْعَدُونَ } لأنهم في الجنة وشتان بينها وبين النار ، وما روي أن علياً رضي الله تعالى عنه خطب يوماً فقرأ هذه الآية ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ وطلحةُ والزبيرُ وسعدٌ وسعيدٌ وعبدُ الرحمن بنُ عوف وأبو عبيدةَ بنُ الجراح رضوانُ الله تعالى عنهم أجمعين ، ثم أقيمت الصلاةُ فقام يجرّ رداءه ويقول : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون } .