قوله : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى } الآية . قال بعض أهل العلم{[29776]} «إنَّ » ههنا بمعنى ( إلا ) أي : إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى{[29777]} .
قال ابن الخطيب : قد بينا فساد هذا القول ، وذكرنا{[29778]} أنَّ سؤال ابن الزبعرى لم يكن وارداً{[29779]} ، فلم يبق إلا أحد أمرين :
الأول : أن يقال : إنَّ عادة الله تعالى أنه متى شرح عقاب الكفار أردفه بشرح ثواب الأبرار ، فلهذا ذكر هذه الآية عقيب تلك الآية فهي عامة في حق كل المؤمنين .
الثاني : أن هذه الآية نزلت في تلك الواقعة لتكون كالتأكيد في دفع سؤال ابن الزبعرى ثم قال : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وهذا هو الحق ، أجراها على عمومها ، فتكون الملائكة والمسيح وعزير - عليهم السلام-{[29780]} داخلين فيها ، لا أنّ الآية مختصة بهم . ومَنْ قال العبرة بخصوص السبب خصص قوله : { إنَّ الَّذِينَ } بهؤلاء فقط{[29781]} .
قوله : { مِنَّا } يجوز أن يتعلق ب «سَبَقَتْ » ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «الحُسْنَى »{[29782]} قال الزمخشري : «الحُسْنَى » الخصلة{[29783]} المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي إما السعادة ، وإما البشرى بالثواب ، وإما التوفيق للطاعة{[29784]} ثم شرح أحوال ثوابهم{[29785]} فقال : { أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } . قال أهل العفو معناه : أولئك عنها مخرجون ، واحتجوا بوجهين :
الأول : قوله { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }{[29786]} أثبت الورود ، والورود الدخول ، فدل على أن هذا الإبعاد هو الإخراج .
والثاني : أن إبعاد الشيء لا يصح إلا إذا كانا متقاربين لأنهما لو كانا متباعدين استحال إبعاد أحدهما عن الآخر ، لأنّ تحصيل الحاصل محال .
وقال المعتزلة : { أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لا يدخلون النار ولا يقربونها ألبتة . واحتج القاضي عبد الجبار على فساد الأول بأمور :
أحدها : أنَّ قوله تعالى : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى } يقتضي أنّ الوعد بثوابهم قد تقدم في الدنيا ، وليس هذا{[29787]} حال من يخرج من النار .
وثانيها : أنه تعالى قال : { أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } فكيف يدخل في لك من وقع فيها .
وثالثها : قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } وقوله : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر } يمنع من ذلك . والجواب عن الأول لا نسلم أنّ المراد من قوله { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى } هو أن الوعد بثوابهم قد تقدم ، ولم لم يجوز أن يكون المراد من «الحُسْنَى » تقدم الوعد بالثواب ، ( لكن لم قلتم إن الوعد بالثواب لا ){[29788]} يليق بحال من يخرج من النار فإن عنده المحابطة{[29789]} باطلة ، ويجوز الجميع بين استحقاق الثواب والعقاب . وعن{[29790]} الثاني : أنا بينا أنّ قوله : { أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلا في حق من كان في النار . وعن الثالث : أن قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } مخصوص بما{[29791]} بعد الخروج{[29792]} .
وعلى قول المعتزلة بأن المراد بقوله : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أنهم لا يدخلون النار ولا يقربونها ، يبطل القول بأن جميع الناس يردون النار ، ثم يخرجون إلى الجنة ، فيجب التوفيق بينه وبين قوله : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }{[29793]} وقد تقدم{[29794]} .
قوله : { وَهُمْ فِي مَا اشتهت } إلى قوله : وَيَتَلَقاهُم{[29795]} كل جملة من هذه الجمل يحتمل أن تكون حالاً مما قبلها ، وأن تكون مستأنفة ، وكذلك الجملة المضمرة من القول العامل في جملة قوله : { هذا يَوْمُكُمُ } إذ التقدير : وتتلقاهم الملائكة يقولون هذا يومكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.