{ وَقِهِمُ } يا ربنا { السيئات } أى : احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات ، ومن العقوبات التى تترتب على ذلك ، بأن تتجاوز عن خطاياهم .
{ وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ } أى : فى يوم القيامة الذى تجازى فيه كل نفس بما كسبت { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أى : فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء .
{ وَذَلِكَ } الذى تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة ، ومن وقايتهم السوء .
{ هُوَ الفوز العظيم } الذى لا يضارعه فوز ، والظفر الكبير الذى لا يقاربه ظفر ، والأمل الذى لا مطمع وراءه لطامع .
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة ، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم .
( وقهم السيئات . ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته . وذلك هو الفوز العظيم ) . .
وهذه الدعوة - بعد الدعاء بإدخالهم جنات عدن - لفتة إلى الركيزة الأولى في الموقف العصيب . فالسيئات هي التي توبق أصحابها في الآخرة ، وتوردهم مورد التهلكة . فإذا وقى الله عباده المؤمنين منها وقاهم نتائجها وعواقبها . وكانت هذه هي الرحمة في ذلك الموقف . وكانت كذلك أولى خطوات السعادة . ( وذلك هو الفوز العظيم ) . . فمجرد الوقاية من السيئات هو أمر عظيم !
وأعقبوا بسؤال النجاة من العذاب والنعيم بدار الثواب بدعاء بالسلامة من عموم كل ما يسوءهم يوم القيامة بقولهم : { وَقِهِم السيئات } وهو دعاء جامع إذ السيئات هنا جمع سيئة وهي الحالة أو الفعلة التي تسوء من تعلقت به مثل ما في قوله : { فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } [ غافر : 45 ] وقوله تعالى : { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : 131 ] صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل ، فالمعنى : وقِهِمْ من كل ما يسوءهم .
فالتعريف في { السَّيّئَاتِ } للجنس وهو صالح لإِفادة الاستغراق ، فوقوعه في سياق ما هو كالنفي وهو فعل الوقاية يفيد عموم الجنس ، على أن بساط الدعاء يقتضي عموم الجنس ولو بدون لام نفي كقول الحريري :
وفي الحديث « اللهم أعط منفقاً خَلفاً ، ومُمسكاً تلَفاً » أي كلّ منفق ومُمسك .
والمراد : إبلاغ هؤلاء المؤمنين أعلى درجات الرضى والقبول يومَ الجزاء بحيث لا ينالهم العذاب ويكونون في بحبوحة النعيم ولا يعتريهم ما يكدرهم من نحو التوبيخ والفضيحة . وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله : { فوقاهم اللَّه شر ذلك اليوم } [ الإنسان : 11 ] .
وجملة { ومن تَقِ السَّيئات يومئذ فقد رحمته } تذييل ، أي وكل من وقي السيئات يوم القيامة فقد نالته رحمة الله ، أي نالته الرحمة كاملة ففعل { رحمته } مراد به تعظيم مصدره .
وقد دل على هذا المراد في هذه الآية قوله : { وذلك هُوَ الفَوْزُ العَظِيم } إذ أشير إلى المذكور من وقاية السيئات إشارةً للتنويه والتعظيم . ووصف الفوز بالعظيم لأنه فوز بالنعيم خالصاً من الكدرات التي تنقص حلاوة النعمة .
وتنوين { يومئذ } عوض عن المضاف إليه ، أي يوم إذ تدخلهم جنات عدن .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره بقوله مخبرا عن قيل ملائكته:"وقِهم": اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم، يقولون: لا تؤاخذهم بذلك، فتعذّبهم به، "وَمَنْ تَقِ السّيّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ "يقول: ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك يوم القيامة، فقد رحمته، فنجيته من عذابك، "وذَلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ "لأنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز، وذلك لا شك هو الفوز العظيم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وقهم السيئات} هذا يحتمل أنهم سألوه أن يقيهم في الآخرة أمورا تسوؤُهم من الأهوال والأفزاع وغير ذلك من العذاب، ويحتمل في الدنيا أمر الشرك وغيره؛ يدل عليه قوله: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} أي ومن تق السيئات في الدنيا فقد رحمته يومئذ {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}...
ثم قالوا بعد ذلك {وقهم السيئات} قال بعضهم المراد وقهم عذاب السيئات، فإن قيل فعلى هذا التقدير لا فرق بين قوله {وقهم السيئات} وبين ما تقدم من قوله:
{وقهم عذاب الجحيم} وحينئذ يلزم التكرار الخالي عن الفائدة وإنه لا يجوز، قلنا بل التفاوت حاصل من وجهين:
الأول: أن يكون قوله {وقهم عذاب الجحيم} دعاء مذكور للأصول وقوله {وقهم السيئات} دعاء مذكورا للفروع.
الثاني: أن يكون قوله {وقهم عذاب الجحيم} مقصورا على إزالة الجحيم وقوله: {وقهم السيئات} يتناول عذاب الجحيم وعذاب موقف القيامة وعذاب الحساب والسؤال.
والقول الثاني: في تفسير {وقهم السيئات} هو أن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار بقولهم {وقهم عذاب الجحيم} وطلبوا إيصال ثواب الجنة إليهم بقولهم {وأدخلهم جنات عدن} ثم طلبوا بعد ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا عن العقائد الفاسدة، والأعمال الفاسدة، وهو المراد بقولهم {وقهم السيئات}.
{وذلك هو الفوز العظيم} حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيما لا ينقطع، وبأعمال حقيرة ملكا لا تصل العقول إلى كنه جلالته...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان الإنسان قد يغفر له ويكرم، وفيه من الأخلاق ما ربما حمله على بعض الأفعال الناقصة دعوا لهم بالكمال فقالوا: {وقهم السيئات} أي بأن تجعل بينهم وبينها وقاية بأن تطهرهم من الأخلاق الحاملة عليها بتطهير القلوب بنزع كل ما يكره منها أو بأن يغفرها لهم ولا يجازيهم عليها.
وعظموا هذه الطهارة ترغيباً في حمل النفس في هذه الدار على لزومها بقمع النفوس وإماتة الحظوظ بقولهم: {ومن تق السيئات فقد رحمته} أي الرحمة الكاملة التي لا يستحق غيرها أن يسمى معها رحمة، فإن تمام النعيم لا يكون إلا بها لزوال التحاسد والتباغض والنجاة من النار باجتناب السيئات ولذلك قالوا: {وذلك} أي الأمر العظيم جداً:
{هو} أي وحده {الفوز العظيم} فالآية من الاحتباك: ذكر إدخال الجنات أولاً دليلاً على حذف النجاة من النار ثانياً، ووقاية السيئات ثانياً دليلاً على التوفيق للصالحات أولاً، وسر ذلك التشويق إلى المحبوب -وهو الجنان- بعمل المحبوب -وهو الصالح- والتنفير من النيران باجتناب الممقوت من الأعمال، وهو السيء، فذكر المسبب أولاً وحذف السبب؛ لأنه لا سبب في الحقيقة إلا الرحمة، وذكر السبب ثانياً في إدخال النار وحذف المسبب...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{فَقَدْ رَحِمْتَهُ} لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن...
وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده التوسل بها إليه، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم...
وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه...
وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم؛ لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وَقِهِم السيئات}، وهو دعاء جامع إذ السيئات هنا جمع سيئة وهي الحالة أو الفعلة التي تسوء من تعلقت به مثل ما في قوله:
{فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا} [غافر: 45]، صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل، فالمعنى: وقِهِمْ من كل ما يسوءهم. فالتعريف في {السَّيّئَاتِ} للجنس وهو صالح لإِفادة الاستغراق، فوقوعه في سياق ما هو كالنفي وهو فعل الوقاية يفيد عموم الجنس، على أن بساط الدعاء يقتضي عموم الجنس ولو بدون لام نفي، والمراد: إبلاغ هؤلاء المؤمنين أعلى درجات الرضى والقبول يومَ الجزاء بحيث لا ينالهم العذاب ويكونون في بحبوحة النعيم ولا يعتريهم ما يكدرهم من نحو التوبيخ والفضيحة.
وجملة {ومن تَقِ السَّيئات يومئذ فقد رحمته} تذييل، أي وكل من وقي السيئات يوم القيامة فقد نالته رحمة الله، أي نالته الرحمة كاملة ففعل {رحمته} مراد به تعظيم مصدره.
ووصف الفوز بالعظيم؛ لأنه فوز بالنعيم خالصاً من الكدرات التي تنقص حلاوة النعمة.
وتنوين {يومئذ} عوض عن المضاف إليه، أي يوم إذ تدخلهم جنات عدن...