التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وأعقبوا بسؤال النجاة من العذاب والنعيم بدار الثواب بدعاء بالسلامة من عموم كل ما يسوءهم يوم القيامة بقولهم : { وَقِهِم السيئات } وهو دعاء جامع إذ السيئات هنا جمع سيئة وهي الحالة أو الفعلة التي تسوء من تعلقت به مثل ما في قوله : { فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } [ غافر : 45 ] وقوله تعالى : { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : 131 ] صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل ، فالمعنى : وقِهِمْ من كل ما يسوءهم .

فالتعريف في { السَّيّئَاتِ } للجنس وهو صالح لإِفادة الاستغراق ، فوقوعه في سياق ما هو كالنفي وهو فعل الوقاية يفيد عموم الجنس ، على أن بساط الدعاء يقتضي عموم الجنس ولو بدون لام نفي كقول الحريري :

يا أهلَ ذا المغنى وُقيتم ضُرا

وفي الحديث « اللهم أعط منفقاً خَلفاً ، ومُمسكاً تلَفاً » أي كلّ منفق ومُمسك .

والمراد : إبلاغ هؤلاء المؤمنين أعلى درجات الرضى والقبول يومَ الجزاء بحيث لا ينالهم العذاب ويكونون في بحبوحة النعيم ولا يعتريهم ما يكدرهم من نحو التوبيخ والفضيحة . وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله : { فوقاهم اللَّه شر ذلك اليوم } [ الإنسان : 11 ] .

وجملة { ومن تَقِ السَّيئات يومئذ فقد رحمته } تذييل ، أي وكل من وقي السيئات يوم القيامة فقد نالته رحمة الله ، أي نالته الرحمة كاملة ففعل { رحمته } مراد به تعظيم مصدره .

وقد دل على هذا المراد في هذه الآية قوله : { وذلك هُوَ الفَوْزُ العَظِيم } إذ أشير إلى المذكور من وقاية السيئات إشارةً للتنويه والتعظيم . ووصف الفوز بالعظيم لأنه فوز بالنعيم خالصاً من الكدرات التي تنقص حلاوة النعمة .

وتنوين { يومئذ } عوض عن المضاف إليه ، أي يوم إذ تدخلهم جنات عدن .